للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقاب الطاعنين في الأعراض]

ألا إن أعراض المسلمين حفرةٌ من حفر النار، لم يزل يتقحم فيها كثيرٌ من الناس مساكين، مسكين ذلك الذي يجتهد في فرائضه ونوافله يومه كله، ثم يبيت يوم يبيت ولا حسنة له.

يا لله! أين ذهبت فرائضه؟ أين ذهبت نوافله؟ أين ذهب بره وإحسانه وأمره بالمعروف ونهيه؟ فرقها بلا حساب، يجمع ولا ينتفع، يتعب ولا يستفيد، ذاكم هو المفلس حقاً، كما ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم: {أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع} فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يبين أن الإفلاس الحقيقي هو في إضاعة الحسنات، في يومٍ لا يتاح فيه لمضيِّع أن يكسب أو يعوض فقال: {إن المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من سيئاتهم وخطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار}.

يا رب!

كم من الأخطاء قد أتينا وكم على أنفسنا جنينا

لكننا نرجوك يا من يغفر وللذنوب والعيوب يستر

إن من كمال عدل الله -يا معشر الإخوة- ألا يدع مظلوماً في ذلك اليوم حتى ينتصف له من ظالمه، ولن يجاوز جسر جهنم ظالم حتى يؤدي مظلمته حتى اللطمة حتى البهائم يقاد لبعضها من بعض، ثم يقال لها: كوني ترابا، فقائلٌ: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:٤٠] وآخر: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٤] وثالث: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:٢٨].

قد ضوعف الكرب على النفوس ودنت الشمس من الرءوس

واقتص للمظلوم ممن ظلمه بحكمه العدل كما قد علمه

قال صلى الله عليه وسلم: {لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء}.

فإلى أصحاب القرون الذين ينطحون بها -وهم كثر- ليشفقوا على أنفسهم ورءوسهم؛ يا ناطحاً بماله أو سلطانه أو جاهه، أو بقرن غيره، أو بلسانه وقلمه، الله يعلم وسيقضي بينكم يوم القيامة، فهو الحكم العدل، كل ذلك في كتابٍ عنده لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وسيقتص حتى للذرة من الذرة:

فلا تنس أنك يا صاحبي ستسأل عن حبة الخردل

فإن تك في شك من ذلك:

فأقسم بالرحمن إنك واهم أضل من الخفاش في ضوء ضحوة

أخرج الطيالسي وأحمد وصححه الألباني عن أبي ذر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان، فقال لـ أبي ذر: {أتدري فيم تنتطح هاتان؟ قال: لا.

قال: لكن الله يعلم وسيقضي بينهما يوم القيامة}.

فاغفر لنا ما كان من ذنوبنا وزين الإيمان في قلوبنا