للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجمع بين الخوف من الله والرجاء فيما عنده]

السؤال

كيف نوازن بين الآيات والقصص التي ذكرتها من الخوف من الله عز وجل، وبين يقيننا بأن الله رب رحيم غفور، ولو أتى العبد بذنوب مائة سنة ولم يشرك بالله عز وجل شيئاً لغفر له ولمن يشاء، فكيف نوفق بين ذلك؟

الجواب

وأزيدك من الشعر بيتاً اسمع! يقول عليه الصلاة والسلام: (لو بلغت خطاياكم عنان السماء ثم تبتم لتاب الله عليكم)؛ بل يقول الله جل وعلا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦] لكن لمن رحمة الله يا عبد الله؟ ولمن مغفرته؟

يقول الله جل وعلا: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} [الأعراف:١٥٦] رحمة الله عز وجل للذين يتقون رحمة الله تبارك وتعالى للذي يعمل الصالحات ويخاف للذي يصلي ويصوم ويركع ويسجد ويقرأ القرآن ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ثم يخاف عقاب الله، هذه رحمة الله عز وجل بهم، ولهذا عندما مرت امرأة تبحث عن رضيعها وكأنها مجنونة، تبحث عنه يمنة ويسرة والصحابة ينظرون؛ ما بالها؟ فلما وجدت ابنها أخذته وضمته إلى صدرها وألقمته ثديها ترضعه وهي تبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أتظنون أن هذه ملقية ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله.

قال: لَلَّهُ أرحم بعباده من هذه بولدها) الله أرحم بعباده.

لكن الشاهد -يا عبد الله- أن الله أرحم بمن؟ بعباده.

نعم! يذنبون؛ بل حتى المتقون -أولياء الله- يقعون في الذنب؛ لكن يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١] التقي لله إذا أذنب تذكر وانتبه وأتبع السيئة الحسنة تمحها، هذا هو المتقي لله، ولهذا فرق بينهم ابن مسعود، فقال: [المنافق يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا -يعمل الكبائر وكأنه ذباب وقع على أنفه فقال به هكذا وطار الذباب- أما المؤمن فيرى ذنبه مثل جبل يوشك أن يقع عليه] هذا هو الفرق.

أعلمت رحمة الله لمن؟ إنها لمن يذنبون لكنهم يتوبون ويستغفرون (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).

يصف الله المتقين بأوصاف، ومن هذه الأوصاف {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران:١٣٥] هل المتقون يفعلون الفواحش؟! نعم قد يقع في الفاحشة، قال: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:١٣٥] ثم قال: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] نعم! رحمة الله للذين لا يصرون، إذا فعل الذنب أو المعصية فر إلى الله جل وعلا، واستغفر وأناب، وركع وسجد، وتاب إلى الله جل وعلا فهؤلاء لهم الرحمات ولهم المغفرة.

عبد الله! توبة الله، ورحمة الله عز وجل ومغفرته لها شروط:

أولها: الندم:

اندم على ما مضى اندم في هذا المجلس، فلعل السعادة تكون الآن، ولعل الله يسجلك الآن من أهل الجنة اندم على ما مضى وغداً يكون حقيقياً من القلب؛ كما قال الله: {إِلّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} [التوبة:١١٠] القلب يتقطع.

ثانيها: أن تقلع عن جميع الذنوب والمعاصي:-

لا تقول: أستغفر الله وأنت لا زلت محتفظاً بالأفلام والأشرطة والكتيبات وغيرها، لا.

انتبه!

ثالثها: العزم على ألا ترجع إلى المعصية:

ولم يقل العلماء: لا ترجع، بل قالوا: تعزم على ألا ترجع، فلربما ترجع يوماً من الأيام تضعف النفس ويضعف الإيمان وترجع إن رجعت إلى المعصية، فعد إلى التوبة، فإن الله عز وجل {كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً} [الإسراء:٢٥] كلما أذنبوا عادوا إلى الله جل وعلا.