للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تربية النفس على نقاء النفس مع المسلمين]

المقام الثاني: تربي نفسك على هذه المقامات، فالقضية ليست آيات نحفظها، أو دروس نحضرها ثم نصلي بعض الصلوات ثم ماذا؟ النفس-نسأل الله العافية- لا يتحملها إنسان، واسمع إلى المقام الثاني وهو مقام عظيم، بل سوف نعرف أن هذا المقام لا يصل إليه إلا قلة من الناس ممن اصطفاهم الله جل وعلا، سلامة الصدر والقلب للناس.

هل جربت يوماً من الأيام، أن تنام وليس في قلبك على أحد من المسلمين غل، هل جربت يوماً من الأيام أن تنام وليس في قلبك على أحد حقد.

اسمع إلى هذا الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام: (يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة) يقول الصحابة: فخرج رجل، وهذا الرجل غير معروف، نعلاه تحت إبطه، ولحيته يقطر منها أثر الوضوء، فعجبنا من أمره وهو يمشي على الأرض وهو مبشر بالجنة، ثم قال في اليوم الثاني: (يطلع عليكم رجل من أهل الجنة) فخرج نفس الرجل، وفي اليوم الثالث نفس الرجل: (يطلع عليكم رجل من أهل الجنة).

عبد الله! تخيل أنك مبشر بالجنة وتمشي على الأرض، تتمنى أن تموت اليوم قبل الغد، من أهل الجنة! يقول عبد الله بن عمرو فتبعته وطرقت الباب عليه، فقلت: يا فلان! إني قد لاحيت أبي -صارت بيني وبين أبي خصومة- وأقسمت ألا أرجع إليه ثلاثة أيام، فإن شئت أن تضيفني، فقال: تفضل، يقول ابن عمرو: جلست عنده ثلاثة أيام، فما رأيته كثير عبادة ولا كثير صوم ولا شيء -أي: يقوم الليل لكنه قليل والصحابة أكثر منه في قيام الليل وصيام النهار- يقول: فجئته في اليوم الثالث فأخبرته الخبر، فقلت: يا فلان سمعت رسول الله يقول عنك كذا وكذا، فأخبرني عن حالك؟ قال: يا فلان! ليس إلا ما رأيت- أي: ما عندي عبادة أكثر من هذه التي رأيتها - فذهب عبد الله ثم ناداه، فقال: يا بن أخي! تعال ارجع، قال: فرجعت، فقال لي: تذكرت أمراً، قال: إنني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ولا أحسد مسلماً على خير آتاه الله إياه، فقال الصحابي: هذه التي بلغت بك.

نعم! هذه التي أدخلتك الجنة، ثم قال: وهي التي لا تطاق، يقول الصحابي: هذه المنزلة لا تطاق.

وهذه المنزلة عظيمة يا عبد الله! ولا تخدع نفسك فتقول: أنا لا أحمل في نفسي أبداً، فتش وفتش، فسوف تجد في نفسك على فلان غلاً، وعلى فلان حقداً، وعلى فلان حسداً، ولفلان غش، ولفلان كره، وعلى فلان إساءة ظن.

يا عبد الله! هلا سلمت صدرك، يقول الله جل وعلا عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠] اسمع للدعاء: {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحشر:١٠] (هل يستطيع أحدكم كـ أبي ضمضم؟ من أبو ضمضم يا رسول الله؟! قال: هذا رجل كان إذا أصبح يقول: اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه) كل يوم يقول: يا رب! كل من تكلم فيَّ فقد حللته، هلا جربتها لتسلم صدرك وتدعو لإخوانك بالعفو، {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:٢٢].

بعض الصالحين وللأسف -وهذا إذا كان في بعض الصالحين كيف لك بغيرهم- تجده يتذكر لأخيه موقفاً قبل عشر سنوات! وإلى اليوم لم ينسه وما عفا عنه، إلى اليوم يقول: لا أعفو عنه حتى يأتيني ويعتذر لي.

سبحان الله! أين هذه المقامات التي بلغها أولئك؟

سامح أخاك إذا خلط ممن أصابك بالغلط

وتجاف عن تعنيفه إن زاغ يوماً أو قسط

واعلم بأنك إن طلبت مهذباً رمت الشطط

من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط

تريد يا عبد الله من إخوانك ألا يخطئوا لن تجد أحداً من الناس مبرأ من الزلل والخطأ.