للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عذاب آل فرعون في البرزخ]

السائل: يقول السائل: ما معنى قوله تعالى في سورة غافر: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦]؟

الجواب

هذه الآية استدل بها أهل السنة والجماعة على ثبوت عذاب القبر، قبل اليوم الآخر، وذكرنا القبر في هذا الدرس من باب أنه بدايات لليوم الآخر، وهو أول منازل اليوم الآخر، والله عز وجل ذكر عن آل فرعون، أنه جاء رجل مؤمن من آل فرعون يدعوهم إلى الله، هذا الرجل علم أن فرعون وحاشيته ووزراءه سوف يقتلون موسى، وموسى رجل ضعيف ليس له جيش ولا عنده شيء، جاء يدعو فرعون إلى الله، ذكره بالله، فأبى فرعون، وتجبر وطغى، وجمع الحاشية واستشارهم قالوا: اقتله، وهذا الرجل من الحاشية؛ لكن فيه خير، آمن وكتم إيمانه، ولكن لما سمع أنهم سوف يقتلون موسى ما رضي، إنكار المنكر يصل إلى حد معين، فذهب بسرعة إلى موسى يخبره وينذره، وجاء إلى فرعون ومن معه، جاء يخبرهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الله قال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهٌ} [غافر:٢٨] أي أنه ما ضركم بشيء، إنما يدعو إلى الله، قال: {وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} [غافر:٢٨] يعني: إذا كان كاذباً فما ضر إلا نفسه {وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُم} [غافر:٢٨] يصبكم بهذا العذاب الذي يتوعدكم به، اتركوه، {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْض} [غافر:٢٩] اليوم لكم القصور والنعيم، وهذه القوة والعسكر والجيش؛ لكن من ينصركم من بأس الله إن جاءكم؟ {مَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} [غافر:٢٩] دعاهم إلى الله فأبوا، ذكرهم بالله فقتلوه أو طردوه، فنجاه الله جل وعلا، أتعرف ما الذي حصل لآل فرعون؟ أغرقهم الله عز وجل في اليم، كان فرعون يوماً من الأيام يقول: هذه الأنهار تجري من تحتي، فأجرى الله الأنهار من فوقه! تجري من تحتك يا فرعون؟ اليوم تجني هذه الثمرة وتجري الأنهار من فوقك، أغرقه الله في اليم، نبذه في اليم وهو مليم.

فرعون كان يوماً من الأيام يقول لشعبه: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٢٩] {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف:٥٤].

جاء إلى موسى؛ أتعرف ماذا قال في موسى؟ قال: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} [غافر:٢٦] يا ناس، يا شعب، أخاف أن يضيع دينكم {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:٢٦] أخاف أن يفسد في الأرض، يثير الفتن في الأرض، سبحان الله! يقول ابن كثير: سبحان الله! صار فرعون خطيباً، صار فرعون يخاف على دين الناس، ويخاف على الصلاح، ويخاف الفساد في الأرض قال: {أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:٢٦].

قال الله عن فرعون وحاشيته: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً} [غافر:٤٦] يعني: في بداية النهار ونهايته في قبورهم إلى إن تقوم الساعة، يحترقون بالنار إلى أن تقوم الساعة، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] فرعون والحاشية والجنود والعسكر والزمرة الطاغية كلها، التي كفرت بالله وعاندت شرع الله، وحاربت الأنبياء والرسل كلها معه في نار جهنم {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:٤٦] هذا هو تفسير الآية والله أعلم.