للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف إبراهيم عليه السلام إمام الموحدين]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام: العنوان كما سمعتم: (مواقف إيمانية)، وسوف أقتصر في هذا المجلس على ثلاثة مواقف إيمانية، وقد ذكرها الله عزَّ وجلَّ كلها في القرآن، ولعلك قد قرأتها من قبل أو استمعت إليها، ولكن أرجو منك أن تعيش معي هذه المواقف الثلاثة، فإنها مواقف عظيمة رهيبة، إذا وقرت في القلب أثمرت الإيمان واليقين بالله تعالى، وإن تدبرت هذه الآيات التي تتلى، وتلك المواقف التي تذكر، سوف تصبر على كل طاعة، وتترك كل معصية بإذنه جل وعلا؛ ذلك لأنه كلام الله الذي إذا ذكر على المؤمنين وجلت القلوب، وذرفت العيون، وازداد الإيمان كيف لا وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لصار هذا الجبل من تأثره بالقرآن خاشعاً متصدعاً من خشية الله.

ولكن بعض القلوب لا تتأثر بكلام الله جل وعلا، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] ما بال هذه القلوب أقفلت وكأن عليها أقفال لا تتأثر ولا تتدبر ولا تتعظ، ولا يوجل القلب، ولا ترجف الأعضاء، ولا يقشعر الجلد، ولا تدمع العين؟! وكأنه يسمع كلام بشر لا كلام رب البشر جل وعلا، يقول الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:١٦]، قال ابن مسعود: [أربع سنوات أسلمنا فعاتبنا الله].

إلى متى؟ ألم يحن الوقت الذي تخشع القلوب فيه لذكر الله؟! إلى متى الواحد منا عُمِّر في الإسلام بل وَشَابَ فيه؟! وبعضنا -للأسف إلا من رحم الله- لا يخشع من كلام الله جل وعلا.

الموقف الأول: موقف أبينا إبراهيم عليه السلام، أبو الأنبياء، وإمام الموحدين عليه الصلاة والسلام، وخليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي امتلأ قلبه بالإيمان منذ الصغر، فكان رجلاً شجاعاً في ذات الله، كسر الأصنام وفتتها حتى جعلها جذاذاً فتاتاً.

ولما كبر وهجر قومه ولم يبق له بعد الله عزَّ وجلَّ إلا زوجته، أراد أن تكون له ذرية، فما قضى الله له بالذرية، حتى كبر في السن وشاب شعر رأسه، فإذا به يدعو الله تبارك وتعالى فيقول: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات:٩٩] ترك قومه وترك أباه، {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات:١٠٠].

يا رب! هب لي ذرية، قد كبر في السن وطعن حتى أوشك على الوفاة، ولم يعطه الله الذرية، وكم من الرجال اليوم الذين كبرت بهم الأعمار وهو عقيم يتمنى لو أنفق كل أمواله، بل يتمنى لو أنه قطع من جسمه عضواً ويعطيه الله عز وجل الولد، فإن أحلى كلمة عنده في الوجود أن ينادى: يا أبتِ أو يا أبتاه.