للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة إبليسية في مسألة القدر]

السؤال

هناك بعض الناس يقولون: إن الله قد وضع الأقدار فلمَ أعمل عملاً وقد كتبه الله؟

الجواب

هذه شبهة إبليسية يحتج بها بعض العصاة، يقول لك: لماذا أصلي؟ الله قد كتب أني شقي، فلا أحتاج أن أصلي، ولماذا أصلي؟ أسأل هذا الرجل وأقول له: ألا تأكل؟ ألا تشرب؟ فإذا قال: نعم.

قلنا له: لماذا تأكل؟ فقد كتب الله عليك أنك تشبع، فلماذا تأكل إذاً؟ ولم تذهب للدراسة إذا كان الله جل وعلا قد كتب لك الرسوب أو النجاح؟ ولم تعمل إذا كان الله عز وجل قد كتب لك أنك سوف تحصل على هذا الرزق أو لا تحصل على هذا الزرق؟ للدنيا تسعى وللآخرة لا تسعى! لم هذه الحجة إذا كان الأمر للدين، أما إذا كان للدنيا فلا؟ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل قيل له: (فلم العمل؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) اعمل فإذا كنت من أهل الجنة فسوف يعينك الله جل وعلا وييسر لك، وإذا كنت من أهل النار فإنك لن تذهب للصلاة ولن تصلي، ولهذا أخبر الله أن الذي يبدأ بالعمل فإنه يعينه، يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:٦٩] والذي يبدأ بالضلال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:٥].

إذاً: الجزاء من جنس العمل، ولهذا ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله جل وعلا يقول: (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به)، وفي حديث آخر قال: (وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).

إذاً: القضية أنك إذا بدأت في الهداية والالتزام وفقك الله جل وعلا، وإذا بدأت بالضلال فإن الله جل وعلا كما قال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف:٥] إذاً عليك أن تعمل وتجتهد، والأمر مكتوب مكتوب أن فلاناً سوف يختار هذا الطريق، كما قال الله جل وعلا: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:١٠] {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:٣].

هذاه الله عز وجل هداية إرشاد، أي: بين له طريق الخير وطريق الشر، فإذا اختار طريق الخير فإن الله قد كتبه له في الأزل، وإذا اختار طريق الشر فإن الله قد كتبه عليه، واختيارك لطريق الخير أو الشر مكتوب في الأزل، مكتوب أن فلان بن فلان عرض له طريقان فإذا به يختار هذا الطريق فصلى وصام، وحافظ على صلاة الفجر، وحضر مع الصالحين، ودعا إلى الله، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، مكتوبٌ لك في الأزل أنك اخترت هذا فكتب الله عليك هذا.

أما ذاك فمكتوب أنه صد وولى واختار هذا الطريق؛ لأنه هو الذي اختار هذا الأمر، وكتب الله عز وجل أنه سوف يختار هذا الطريق ويدخل النار والله أعلم.