للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رجل يرفض زيارة أمه حين وفاتها]

اسمع إلى هذا العاق وكم هم العاقون! وكم هم المجرمون بحق والديهم! هذا العاق رمى أمه في دار العجزة، ويكفيك أخي الكريم أن تزور دور العجزة ولو مرة واحدة؛ لتسمع أخبار العاقين وأحوالهم، هذا الرجل رمى أمه العجوز في دار العجزة، وظل سنوات لم يزرها، وزمناً طويلاً لم يعرفها، حتى الاتصال لم يتصل بها، وحانت ساعة وفاتها، وأخذت في الاحتضار، فبكت ونادت المسئولين، وقالت لهم: اتصلوا بولدي، اتصلوا بولدي، اتصلوا بولدي، أريد أن أضمه قبل أن أموت، أريد أن أقبله، أريد أن أعانقه قبل الموت.

ولدها مهما فعل تحبه، ولدها -والله- مهما عقها ومهما فعل بها فإن في قلب الأم حباً لولدها مهما فعل.

قالت: أريد أن أضمه وأقبله قبل الموت، فاتصلوا بولدها، فقالوا له: إن أمك تحتضر، وتريد أن تراك وتقبلك، فقال هذا المجرم: ليس عندي وقت، وقتي ضيق، وعندي أعمال وتجارات وعقارات، ما عندي وقت، ثم أغلق الهاتف، ثم ماتت هذه الأم ولم تر ولدها، ماتت ساخطة عليه، فاتصل المسئولون بالولد فقالوا له: يا فلان! لقد ماتت أمك، لقد ماتت أمك العجوز، فماذا تظنونه يقول؟ قال: أكملوا الإجراءات وادفنوها.

لأمك حق لو علمت كثير كثيرك يا هذا لديه يسير

فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي لها من جواها أنة وزفير

وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فمن غصص منها الفؤاد يطير

وكم غسّلت عنك الأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير

نسيت فهل -يا عبد الله- وهي تغسل النجاسات من عليك؟! وهل نسيت -يا عبد الله- سهرها وأنت نائم؟!

وهل نسيت -يا عبد الله- مشقتها في المشي لأنك في بطنها؟! وهل نسيت -يا عبد الله- صراخها، وبكاءها وسهرها عليك؟! فهل نسيت هذا لأجل زوجة أو تجارة أو أصحاب؟! تباً لهؤلاء كلهم إذا كانوا سبباً للعقوق!

وكم غسّلت عنك الأذى بيمينها وما حجرها إلا لديك سرير

وتفديك مما تشتكيه بنفسها ومن ثديها شرب لديك نمير

وكم مرة جاعت وأعطتك قوتها حناناً وإشفاقاً وأنت صغير

فضيعتها لما أسنت جهالة فطال عليك الأمر وهو قصير

فآهٍ لذي عقل ويتبع الهوى وآهٍ لأعمى القلب وهو بصير

لعن الله من لعن والديه، لعن الله من لعن والديه.