للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عباد بن بشر نموذج من أهل الهمم]

بعث النبي صلى الله عليه وسلم عباد بن بشر وعمار بن ياسر، حارسين للمسلمين، فجاء الليل فقال عباد لـ عمار: تنام أول الليل أو آخره؟ قال عمار: بل أنام أول الليل، فنام عمار بن ياسر، وقام عباد بن بشر يحرس ثغراً من ثغور المسلمين، فقام يصلي، لم يقرأ الجريدة، أو يتحدث ويتسامر مع نفسه، أو ينظم الأشعار وغيرها، بل لا أحلى ولا أجمل عنده من أن يقوم الليل، فقام يصلي، فنظر إليه أحد المشركين في الليل فرماه بسهم فوقع فيه، فنزع السهم وأكمل صلاته، والدم ينزف منه، ثم رماه الثانية، فوقع فيه ونزعه وأكمل صلاته، ثم رماه الثالثة فانتبه عمار فقال: لِمَ لم توقظني من أول رمية؟! فقال له عباد بن بشر: كنت في سورة أقرأها فلم أحب أن أقطعها حتى أفرغ منها، وايم الله لولا خوفي أن أضيع ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظه لما قطعت السورة حتى تنقطع روحي.

انظر كيف يشعرون بالمسئولية، بعض الناس إذا حدثته بهم الدعوة، قال: وما شأني؟ تخبره بأمور المسلمين، فيقول: ماذا أفعل؟ تقول له: تضيع أوقاتك الثمينة، يا من كنت تحفظ بعض آيات في القرآن، يا من كنت تقرأ السنة، يا من كنت تحضر الدروس، ما فعلك اليوم في أمة الإسلام؟ ما دورك؟ ما نصيبك في نصر المسلمين؟ هل أنت من الذين يتفرجون، وينتظرون الساعة تلو الأخرى، لا هم له إلا أن يقرأ الأخبار، انتصر المسلمون، أو لم ينتصروا؟

إن حدثته بمصيبة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون، أما أن يقوم ويتحرك فهذا لا هم له، ولا يبالي بهذا، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ} [التوبة:٣٨].

نعم.

إنه يفتح محلاً تجارياً بعد أن كان داعية إلى الله، أصبح الآن مشغولاً بالتجارة، نهاره تجارة، ليله تجارة، كلامه تجارة، همه الدنيا، قال عليه الصلاة والسلام: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس وانتكس) إذا سألته أن يضحي بشيء في سبيل الله قال: أبنائي وزوجتي، البيت يحتاج، أريد أن أشتري سيارة فلان، أريد أن ألبس كفلان، أريد أن أسكن كفلان.

صهيب يخرج من مكة وكان غنياً ثرياً، فلا يسمح له كفار قريش أن يهاجر إلى المدينة، فيقول لهم: ماذا تريدون؟ يقولون: لا نسمح لك أن تجمع المال منا ثم تهاجر بمالك إلى المدينة وتأخذ أموالنا، قال: ماذا تريدون؟ إذا كنتم تريدون أموالي فهي مدفونة في مكان كذا وكذا، خذوها واتركوني أهاجر إلى رسول الله، باع دنياه، وضحى واشترى نفسه في سبيل الله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} [التوبة:١١١].