للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محاسبة النفس واستشعار رقابة الله]

يقول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن عليكم] قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:١٨].

يا عبد الله! حاسب نفسك الليلة إذا رجعت إلى البيت، وقبل أن تنام، وبعد أن تصلي الوتر، أو تصلي ركعتين، أو تتطهر، أو بعد أن تأتي بأذكار النوم.

تفكر يا عبد الله! ماذا قدمت لله عز وجل؟! ضع حسناتك في كفة، وسيئاتك في كفة، ثم حاسب نفسك، وانظر أيهما تُرجِّح.

يا عبد الله! حاسب نفسك! لا تأتِ يوم القيامة وأنت من الذين قال الله فيهم: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:٣ - ٤] لا تكن كمن قال الله فيهم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣] قال عليه الصلاة والسلام: (ليأتين أقوام من أمتي يوم القيامة معهم أعمال كجبال تهامة بِيضٌ يجعلها الله هباءً منثوراً، قال ثوبان: من هم يا رسول الله؟) صفهم لنا يا رسول الله؟ جَلِّهم لنا! ألا نكون منهم؟ كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخافون أن يكونوا من الذين يأتي الله عز وجل بأعمالهم يوم القيامة فيجعلها الله هباءً منثوراً، قال علي: [لو علمت أن الله قبل مني حسنة لاتكلت] حسنة واحدة، لو علمت أن الله قبلها مني لاتكلت عليها، لأن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].

فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ ثوبان ومن معه: (ألا إنهم يصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ويأخذون من الليل كما تأخذون -حتى قيام الليل يقومون لكن ما بالهم؟ - لكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) أمام الناس رجل صالح! لكنه بينه وبين نفسه في البيت، إذا جلس في الغرفة ولا أحداً يراه ارتكب المعاصي إذا ذهب إلى السوق وليس هناك من يراقبه يفعل ما يريد يسافر إلى بلاد الغرب -بلاد الكفر والإباحية- حيث لا أحداً يراه، غريب يفعل ما يشاء {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق:١٤] يأتي الله عز وجل بأعماله كلها يوم القيامة، بل إذا رأى جهنم يوم القيامة تزفر، يتذكر كل أعماله في الدنيا يتذكر ذنوبه كلماته خطراته قدميه، إلى أين مشت؟ كما قال الله عز وجل: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٣ - ٢٤] يقول طالب العلم: يا ليتني تكلمت في الناس! ويقول صاحب العلم: يا ليتني أنكرت المنكرات! يا ليتني تكلمت! ما بالك يا طالب العلم؟! يمنعك الخجل يمنعك الحياء يمنعك الجهل يمنعك الخوف.

ما بالك يا عبد الله لم تقم المقام الذي أمرك الله به في مجلس من المجالس ويستهزأ فيه على الله ويُتكلم فيه على الدعاة والمصلحين وأنت ساكت! تتذكر هذا الموقف يوم القيامة، فتقول: {يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:٢٤] يا ليتني! تكلمت ولم أبال بالناس! يا ليتني أنكرت المنكرات! يا ليتني تكلمت في الناس ونصحت ولم أبال بكلام الناس! يا ليتني ويا ليتني! يقول ذلك الرجل، بعد أن يأتي يوم القيامة، فينظر إلى ذنوبه، فيتذكر من كان السبب! إنه صاحبه في الدنيا: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان:٢٧ - ٢٩] يتذكر صاحبه في الدنيا، كان أصحاب الصلاح وأصحاب الخير يقولون له: ائتِ معنا في مجالس الخير لنذهب إلى العمرة إلى مجالس الخير إلى الدروس إلى بيوت الله، ولكن صاحب السوء كان يأتيه فيقول له: أنت شاب، تمتع بالشباب لا تذهب مع أولئك المعقدين لا تذهب مع أولئك المتزمتين المتطرفين، ليس عندهم ضحك، ولا لعب، ولا دنيا، ولا حياة.

ائت معنا نتمتع بالدنيا.

يتذكر هذه المواقف يوم القيامة، فيعض لا على إصبعه أو يده فقط، بل يدخل يديه كلتيهما في فمه فيعض عليهما من الندم {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:٢٧] هذا الموقف -يا عبد الله- إذا تذكرته ازداد إيمانك، وقوي شيئاً قليلاً.