للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانتشار]

أول ميزة من مميزات الدعوة المكية: الانتشار:

واسمع إلى تلك القصة، كان النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته منتشراً، لا يجلس في بيته ولا ينتظر الناس يأتونه، كان ينتشر، في كل قبيلة وفي كل بطن تجد له أحد الناس قد أسلم.

فهذا أبو ذر من غفار.

وهذا الطفيل بن عمرو من دوس.

وهذا عمرو بن عبسة السلمي.

وهذا بلال الحبشي.

وهذا سلمان الفارسي.

وهذا صهيب الرومي.

حتى من اليمن من أزد شنوءة، جاءه رجل يسمى ضماد الأزدي، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا ضماد كان يقرأ على الناس، ليعالج المريض، فسمع أن رجلاً يقال له: محمد، مجنون، فأتى إلى مكة يبحث عن هذا الرجل- كل الناس تتكلم عنه، رجل مجنون يقال له: محمد، وهو أعقل الناس عليه الصلاة والسلام، فأتى إليه ضماد فجلس عنده، فقال يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم: (هات ما عندك، فقال له أحكم الناس وأعقلهم: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: حسبك! والله لقد سمعت قول السحرة والكهنة والشعراء، والله ما سمعت مثل كلماتك هذه، لقد بلغت والله قاموس البحر، هات أبايعك) فمد النبي صلى الله عليه وسلم يده فبايعه ضماد الأزدي رضي الله عنه، وهو من أزد شنوءة.

كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يجلس، كان يستقبل الوفود، يأتيه وفود في الحج فيأتيهم إلى خيامهم، فيفتح الخيمة ويقول: (من يؤويني حتى أبلغ دعوة ربي، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) انظر الانتشار، يضرب على البيوت ويأتيهم في الأسواق وفي النوادي والمجالس، يقول: (من يؤويني حتى أبلغ دعوة ربي، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا).

ومن يقرأ السيرة يجد أمراً عجيباً.

هذا من بني جُمَح.

هذا من بني زهرة.

هذا من بني عبد مناف.

هذا من بني عامر.

وهذا من بني فلان وفلان وفلان.

كأن النبي صلى الله عليه وسلم كان دوامة في الناس يجول ويصول في كل المجالس وفي كل المنتديات، لا كحالنا وللأسف، ينتظر أحدنا من يأتيه فيطرق عليه الباب، فيقول له: دلني على المسجد، والله حال يُرْأف لها، ويحزن الإنسان لحالنا، بل إن بعضنا تمر عليه السنون تلو السنين وجاره لا يصلي ولم يبال، إن صلى فهذا المسجد! وإن لم يصل فعلى كيفه! أمر عجيب وحال غريب!

ففي الميزة الأولى تبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر أمراً، لماذا كان يدعو في كل قبيلة؟ كان ينتظر ساعة الصفر التي أخبر عنها ورقة بن نوفل، قال: [يا ليتني كنت فيها جذعاً إذ يخرجك قومك، قال: أوَمُخْرِجِيَّ هم؟ قال: ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي] هل تريد أن تدعو إلى الله وتجلس في بيتك منعماً؟ لا، من كان مرتاحاً في دعوته ولا يصاب بأذى أو بلاء فليَتَّهِم نفسه، لعل فيه خللاً، ولعل إيمانه فيه خدش، يقول: (ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا عودي) {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} [الفرقان:٣١] ينتظر عليه الصلاة والسلام ساعة الصفر، لهذا كان يعد العدة، ويعد الرجال.