للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شاب يصرع لسماع آية]

اسمع -يا عبد الله- إلى هذا الشاب وهذه الكلمات التي خرجت من قلبه وهو يرددها، يقول منصور بن عمار: نزلت سكة من سكك الكوفة، فخرجت في ليلة مظلمة مستحلكة، فإذا أنا بصوت شاب يدعو ويبكي وهو يقول: كن كحال هذا الشاب، وتفكر في هذه الكلمات واجعلها تخرج من قلبك الآن يا عبد الله: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك بجاهل، ولا بعقوبتك متعرض، ولا بنظرك مستخف، ولكن سولت لي نفسي فأعانتني عليها شقوتي، وغرني سترك المرخي علي، فقد عصيتك وخالفتك بجهلي، فإلى من أحتمي؟ ومن من عذابك يستنقذني؟ ومن من أيدي زبانيتك يخلصني؟ وبحبل من أتصل إذا أنت قطعت حبلك عني؟ فيا ويلي كم أتوب وكم أعود ولم أستحِ من ربي واشباباه! واشباباه! يقول منصور: فلما سمعته أخذت أقرأ قول الله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] يقول: وبعد أن ختمت الآية سمعت اضطراباً شديداً، ثم سكت، ثم هدأ الصوت، وجئت في اليوم الثاني أريد أن أعرف خبره، فوجدت جنازة، وعندها عجوزٌ تبكي، فقلت: ما هذه الجنازة يرحمك الله؟ قالت: هذا ولدي، زل عن كبدي، ومن كنت أظن أنه سيدعو لي من بعدي، كان يبكي في الليل على ذنوبه ويتكسب، فجعل كسبه أثلاثاً، ثلثاً يطعمني، وثلثاً للمساكين وثلثاً يفطر عليه، تقول: فمر علينا البارحة رجل لا جزاه الله خيراً قرأ عليه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦] فجعل ابني يبكي ويبكي حتى فاضت روحه إلى بارئها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].