للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على الطاعات والتحذير من السيئات]

يا عبد الله: إذا كان القلب لا يزال عليه ران فاستعن بالله جل وعلا، واعلم أنها دقائق وتمضي، وأيام وتذهب، اذهب وزر المقابر يوماً من الأيام، وانظر إلى أهلها هل قضوا أشغالهم وأمتعتهم؟ هل انتهوا من أحلامهم؟

هذا رجل كان يظن أنه سوف يسافر في العطلة، وهذا آخر كان يبني البيت ولم يسكن فيه، وذاك كان يريد الزواج ويخطط له، وهذا كان يدرس ويتمنى أن يحصل على شهادة، وهذا خرج من البيت ليشتري أمتعة أهله ويرجع إليهم، ولكن المنية والأجل كان أقرب منهم.

اسمع وتفكر في ذلك اليوم:

إذا النبيون والأشهاد قائمة والجن والإنس والأملاك قد خشعوا

وطارت الصحف في الأيدي منشرة بها السرائر والأخبار تطلع

فكيف سهوك والأسباب واقعة عما قليلٍ ولا تدري بما يقعُ

أفي الجنان وفوز لا انقطاع له أم الجحيم فلا تُبقي ولا تذرُ

تهوي بساكنها طوراً وترفعهم إذا رجو مخرجاً من غمها قمعوا

طال البقاء فلم ينفع تضرعهم هيهات لا رقة تغني ولا جزعُ

لا ينفع العلم قبل الموت عالمه قد سال قومٌ بها الرجعى فما رجعوا

عباد الله! لنكن قوماً إذا استمعوا إلى هذا الحديث اتبعوا أحسنه قوماً نتعلم العلم ونستمعه ونعقله ثم نعمل به، فإن هذا الكلام إما حجة لنا وإما حجة علينا.

عبد الله! ارجع إلى البيت وليكن الحماس منضبطاً: (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) قليلٌ دائم خيرٌ من كثير منقطع، عاهد النفس جزء من الليل للقيام بعض أيام الشهر للصيام اجعل لك ورداً لقراءة القرآن، لا بد وأن تختم القرآن -أضعف الإيمان- في الشهر مرة.

كان الصحابة يجادلون يقول أحدهم: أقوى أكثر من هذا، قال: اقرأه في السبع، قال: أقدر أكثر من هذا، قال: أقرأه في ثلاث، قال: أقدر أكثر من هذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث).

رويدك رويدك!! هوِّن على نفسك لا أقول لك: اختم القرآن في ثلاثة أيام، بل أقول لك: في الشهر مرة، صم ولو في الشهر ثلاثة أيام، هذا صيام الدهر.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم، وأُصلي الليل، فإِما أرسل إليَّ، وإِما لقيتُه، فقال: ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي؟ -وفي رواية: فإنك إذا فعلت ذلك هجمت العين، ونقهت النفس- فصم وأفطر، وقم ونم؛ فإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً.

قال: إني لأقوى لذلك.

قال: فصم صيام داود عليه السلام.

قال: وكيف؟ قال: كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى، قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ -قال عطاء: لا أدري كيف ذكر صيام الأبد- قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صام من صام الأبد).

عباد الله: هؤلاء هم سلفنا، وقدوتنا، فهلا كنا لهم متبعين، وعلى خطاهم متمسكين، وبآثارهم سائرين؟

عباد الله! لنشمر ساعد الجد، فإن الجنة تحتاج إلى جد واجتهاد، وبذل وعزم، قال: (من خاف أدلج، ومن أدلج -أي: من رأى الليل- بلغ المنزلة، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) اترك كل ما يلهيك من تلفاز وأغانٍ وطرب.

نعم يا عبد الله! تقول لي: لا أخشع عندما أقرأ القرآن، ولا أتلذذ بالقيام، أقول لك: أتسمع الغناء؟ تقول لي على استحياء: نعم أحياناً، أقول لك: لن تتلذذ بالقرآن أبداً.

حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان

اعتزل الغناء اهجر الطرب والمعازف قاطع التلفاز اترك مجالس السوء، ثم تدبر كلام الله جل وعلا تجده كالماء يطفأ به النار، تجده -يا عبد الله- لذة حتى أنك تنادى فيقال لك: يا فلان! عمل، يا فلان طعام شراب، فتقول لهم: ولوا عني واتركوني، أنا متلذذٌ بقراءة القرآن.

طعن عثمان تسع طعنات وهو يقرأ القرآن، حتى سال دمه على المصحف، تقول زوجته: قتلتموه وإنه ليحيي الليل بالقرآن.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.