للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شدة خوف السلف من الموت]

أخي الكريم: هل رأيت مصرعاً كهذا؟ هل رأيت رجلاً كهذا الرجل؟ كان يأمل ويحلم، ويخطط، ولكن الأجل كان أقرب من حلمه.

الحسن البصري رأى رجلاً يصرع فيموت، فرجع إلى البيت، فقيل له: يا أبا سعيد العشاء! فلم يجبهم، ثم قالوا له: يا أبا سعيد العشاء! فلم يجبهم، ثم قالوا له: يا أبا سعيد العشاء رحمك الله! قال: [كلوا عشاءكم؛ فإني رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتى ألقاه] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:٣٥].

تخيل نفسك -يا عبد الله- على الفراش، تتنازع الروح! بل تخيل بحادث سيارة، لعلك قلت للأهل: سوف أذهب وأشتري لكم الأغراض ثم آتي إلى البيت، ولكنه الحادث الأخير، تخيل وأنت ذاهبٌ وخلفت الصلاة خلفك، وتركتها وضيعتها، ذاهبٌ إلى أين؟ لتشتري الحرام، أو لتجلس مع أصحاب السوء، أو لتذهب إلى الملاعب والملاهي، تاركاً خلفك الصلاة والمؤذن ينادي، فإذا بملك الموت ينتظرك: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:١٨٥].

عمر بن عبد العزيز، كان في كل ليلة يجلس ويجمع حوله الفقهاء والعلماء، فيتذاكرون الموت والدار الآخرة، فيبكي ويبكون وكأنما جنازة مرت بينهم، أوكأنهم شيعوا جنازة.

الموت، هادم اللذات -يا عبد الله- لا يستأذنك ولا يخبرك، بل يأتيك بغتة، بل وتخرج نفسك فلتة.

عبد الله! لن تدرك أن تتوب إلا إذا وفقك الله، لا تقل: غداً أتوب، ولا تقل: في العام القادم، ولا تقل: إذا اعتمرت، ولا تقل: إن شاء الله إذا حججت، ولا تقل: إذا تزوجت، ولا تقل: إذا فعلت كذا وكذا أتوب إلى الله، وما يدريك أنك سوف تدرك هذه الأيام.

تفكر في مشيبك والمآبِ ودفنك بعد عزك بالتراب

إذا وافيت قبراً أنت فيه تقيم به إلى يوم الحسابِ

وفي أوصال جسمك حين تبقى مقطعة ممزقة الإهابِ

فلولا القبر صار عليك ستراً لأنتنت الأباطح والروابي

خلقت من التراب فصرت حيا وعلمت الفصيح من الخطابِ

فطلق هذه الدنيا ثلاثاً وبادر قبل موتك بالمتابِ

نصحتك فاستمع قولي ونصحي فمثلك قد يبل على الصوابِ

خلقنا للممات ولو تركنا لضاق بنا الفسيح من الرحابِ

ينادى في صبيحة كل يومٍ لدول الموت وابنوا للخرابِ

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر:٥] كم من الناس من فضحه الله؛ كان يتظاهر أمام الناس بالصلاح، وسيماه سيماء المتدين، ولكنه للأسف بينه وبين نفسه معصية يصر عليها! كان إذا جاء إلى البيت يغلق على نفسه البيت ويطفئ الأضواء ويرتكبها، وإذا خاطبته نفسه قال: الله غفور رحيم، والمسكين ما كان يدري أن ملك الموت قد دخل عليه في تلك اللحظة وقبض روحه واستل نفسه من بين جنبيه.