للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصائح لمن يريد التوبة]

السؤال

أنا شابٌ أول مرة أصلي وأدخل المسجد وأحضر المحاضرة، فما نصيحتك لي؟ وآخرٌ يقول: شابٌ يرغب في الالتزام والتوبة، ولكن يخاف الانتكاسة، فما نصيحتك لهذا الشخص مع العلم أنه موجود؟

الجواب

أيها الأخ الكريم خذ هذه النصيحة واحفظها وطبقها:

أولاً: حيلة الشيطان ألا تلتزم حتى لا تنتكس مفضوحة من بدايتها، وواضح لكل ذي عينين أنها خدعة إبليسية، وليست محكمة، فإنك -يا عبد الله- عاقل! وأنا أربأ بك أن تنخدع وراء هذه الشبهة، (لا تهتد حتى لا تضل) وهل الآن أنت في هداية؟! وهل تضمن نفسك -يا عبد الله- أن يؤخرك ملك الموت حتى تهتدي هداية لا ضلالة بعدها؟! وما أدراك أنك إذا اهتديت سوف تضل؟! ومن أخبرك بهذا؟ بل قال الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت:٦٩] إذا دخلت في دين الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] ما يدريك لعل الله يفتح عليك، بل لعل الله يشرح صدرك، ما يدريك يا عبد الله؟ بل لعل هذه اللحظة وهذه الجلسة يكتب الله لك بها السعادة الأبدية السرمدية.

واسمع إلى هذا الشاب، اسمع ولعلك أنت مثله، ولعل الله عز وجل يريد بك الخير: كان في يوم من الأيام من أهل الفتيات والنساء والمعاصي والذنوب وكان يجاهر بالمعصية، وفي يوم من الأيام كان في إحدى الطرقات يكلم فتاة، فجاءه رجلٌ يدعوه إلى الله وينصحه لله، ولعل حال ذلك الشاب كحالك فاسمع وانتبه ولك فيها عبرة.

يقول الشيخ: لما اقتربت إذا بالفتاة تهرب، يقول: فجئت إلى هذا الشاب يقول: فوعظته نصف ساعة يقول: فلما انتهيت إذا عيناه تذرفان ويبكي، يقول: فأخذت رقم هاتفه، يقول: وبعد أسبوعين تذكرته فرفعت سماعة الهاتف في الصباح فقلت له: فلان قال: نعم.

تذكرني؟ قال: وكيف أنسى الصوت الذي كان سبباً لهدايتي، الله أكبر! اهتديت من كلمة؟ من موعظة؟ نعم.

فتح الله عليَّ فلا أفارق المسجد ولا القرآن، ولا ذكر الله جل وعلا، قال: اليوم سوف أزورك وسوف آتيك في المنزل، قال: حياك الله، يقول: فلما صليت العصر وكان موعدي معه بعد صلاة العصر قال: جاءني ضيوف -يقول الشيخ- فأخروني عن الموعد، فلما حل الليل قلت: لا بد أن أزوره فجئته في الليل، فطرقت الباب فخرج لي شيخٌ كبير، فقلت له: أين فلان؟ قال: أنت فلان؟ قال: نعم.

أين فلان؟ يقول: وكان حزيناً، فقال لي: دفناه قبل ساعة، قلت: لا يمكن؛ اليوم كلمته بالهاتف ووعدته العصر قال: نعم لم يكن به بأس، صلى الظهر ثم تغدى وقال: أيقظوني لصلاة العصر، يقول: فجئنا نوقظه فإذا هو قد فارق الدنيا.

عبد الله! انظر كيف أراد الله به الخير، إنها الأيام الأخيرة، إنها آخر ساعات الحياة، إذا به يلتزم ويهتدي ويقبل على القرآن، فقبض الله روحه، والأعمال بالخواتيم، فقال له: من أنت؟ قال: أنا أبوه، قال: ومن أنت أيها الشيخ؟ قال له: تعرفت على ابنك قبل أسبوعين، قال: دعني أقبل رأسك، قال: ولم؟ قال: أنقذت ابني من النار.

لعل هذه المحاضرة وهذه الجلسة -يا عبد الله- بها يبدل الله سيئاتك حسنات، وتنقلب الصحائف السود إلى صحائف بيض، والسيئات تنقلب الآن في هذه الجلسة بندم وصدق وتوبة صادقة، لا تخرج من هذا المجلس إلا وقد قيل لك: قم قد بدلت سيئاتك حسنات.

ما يدريك -يا عبد الله- لعلك بعد أيام تصبح عابداً، بل داعية إلى الله جل وعلا؟! وكم من المغنين المطربين اليوم أصبحوا من الدعاة إلى الله جل وعلا، بل كم من النصارى عباد الصليب أصبحوا اليوم يدعون إلى توحيد الله جل وعلا، كم وكم؟ ما يدريك -يا عبد الله- لعله يكون لك في أمة محمد شأن، ويكون لك دور؟ كما ضللت وأضللت، فإنك تهتدي، ويهدي الله على يديك خلقاً كثيراً.

عبد الله أهدي لك هذه النصائح فاسمعها:

أولاً: إياك إياك أن تفارق القرآن: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:٣٢] القرآن يثبت فؤادك، فاجعل لك ورداً كل يوم للقراءة وورداً للحفظ، إياك أن تخلط بين هذا وهذا، وإياك أن تهجر القرآن، فإنه حبلٌ بينك وبين الله، كل يوم لا بد أن تقرأ القرآن، بعد الفجر، أو آخر الليل، أو بين الصلوات، اعكف على كتاب الله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] فكلما دعتك نفسك للرجوع، اقرأ آيات العذاب، ووصف جهنم: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:٤٣ - ٤٤].

كلما مللت من العبادة اقرأ عن أوصاف الجنة (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧].

كلما استهزأ بك أصحاب السوء وأهل الباطل والفساد، وسخروا منك؛ فاقرأ القرآن: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:٣٨] من هو؟ أول رسول على وجه الأرض، إنه نوح عليه السلام: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ} [هود:٣٨] مِن قومه، ومِنْ أبناء عمِّه ومن أقربائه {سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:٣٨] ثبات الداعية إلى الله، ثبات العابد المستسلم لله جل وعلا، أنا الذي أسخر منكم، وأنا الذي أستهزئ بكم حقاً، أنتم في ضلال وغواية.

اقرأ قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:٢٩ - ٣٠].

عبد الله! القرآن فيه شفاء لكل داء، كل مرضٍ من أمراض الشهوة علاجه في كتاب الله.

ثانياً: يا عبد الله! (لعلك بأرض سوء فاخرج منها إلى أرض كذا وكذا، فإن فيها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم) هذا شطرٌ حديث الذي قتل مائة نفس، فجاءه الناصح العالم فقال له: اهجر هذه المجالس، واهجر تلك المجموعة، واهجر هذه الرفقة، بل اهجر البلد كلها.

أقول لك يا عبد الله: ذلك المجلس الذي دلك على الحرام، وذلك الصاحب الذي عرفك بالحرام، وتلك الديوانية التي كنت تجلس فيها على الحرام قاطعها لله جل وعلا، اهجرهم لله جل وعلا: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ} [الكهف:٢٨ - ٢٩] اهجرهم لله جل وعلا، غادرهم وودعهم وداعاً لا رجعة فيه، لا ترجع إلا داعياً لهم إلى الله جل وعلا، لا ترجع إلا متسلحاً بسلاح العلم والعبادة والإيمان؛ برفقة صالحة تقتحم تلك المجالس، تقول لهم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:٤٣] تأتيهم لتدعوهم إلى الله جل وعلا، تخرجهم من عبادة الشهوات والفتن والملذات إلى عبادة رب الأرض والسماوات.

عبد الله النصيحة الثانية: الرفقة الصالحة، واهجر كل رفقة سيئة.

ثالثاً: يا عبد الله! عليك بالدعاء، ادع الله جل وعلا من قلبك، ولتدمع العينان وقل: اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب والأبصار! صرف قلبي إلى طاعتك.

ادع الله وأنت موقن بالإجابة.

ادع الله بخوفٍ ووجل، هذا نبيك عليه الصلاة والسلام كان يدعو بهذا الدعاء ويكثر منه، بل أبو الأنبياء وإمام التوحيد الذي كسر الأصنام، إبراهيم عليه السلام، هل يرد في قلبك شك أنه سوف يضل؟ لا.

لا يرد في قلوبنا شك، كان يدعو الله فيقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥] هو الذي كسر الأصنام حتى جعلها فتاتاً وجذاذاً، يقول: يا رب! اجنبني وبني أن نعبد الأصنام، انظر الاستكانة لله، انظر التعلق بالله جل وعلا، انظر التبرؤ من الحول ومن القوة إلا بالله جل وعلا وحده.

ادع الله بهذه الصورة، وبهذا التعلق بالله جل وعلا: اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ثم اترك الكبار من المعاصي، واهجر الصغار منها، واعلم أن الصغيرة على الصغيرة على الصغيرة تجتمع حتى تملك القلب.

خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.