للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب حفظ المرأة نفسها: الخوف من الله عز وجل]

وهذا أمر آخر، به تحفظين نفسك من الذنوب والمعاصي: إنه الخوف من الله جل وعلا.

أمة الله! لا تظني أنها معصية ثم تذهب، أو نظرة ثم تضيع، أو كلمة ثم تذهب إن شاء الله، ولا تظني أنه الفيلم الأخير ثم التوبة بعده إن شاء الله.

أمة الله: إن الله جل وعلا يحذر الناس من نفسه، فيقول جل وعلا: {وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٧٥].

ألا تخافين من الله وأنت تتجرئين على معصيته جل وعلا؟

ألا تخافين وأنت ترتكبين المعصية أن يأخذك الله جل وعلا ويقبض روحك؟

اسمعي إلى السابقين الصالحين كيف كانوا يخافون من ربهم جل وعلا؟ فهذا إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء، يروى عنه: أنه كان يسمع لصدره إذا قام إلى الصلاة أزيز من عظم الخوفٌ من الله جل وعلا {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:٩٠].

وهذا داود -عليه السلام- كان الناس يعودونه ويظنون أنه مريض، وما كان به شيء إلا شدة الخوف من الله جل وعلا.

هل كانوا عصاة؟ هل كانوا فجرة؟ هل كانوا زناة؟ هل شربوا الخمور؟ هل استمعوا للأغاني؟ هل تركوا الصلاة؟ لا والله.

لقد كانوا أعبد الناس، وأصلح الناس، ولكنهم يخافون من الله جل وعلا، بل إن الصالحين يصلون ويصومون ويتصدقون، ويخافون ألاَّ يتقبل الله منهم: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:٦٠] من هم؟ إنهم الراكعون الساجدون، إنها التي تقوم الليل وتصوم النهار، وتقرأ القرآن، وتذكر ربها جل وعلا، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر {وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:٦٠] لمَ يا رب؟ {أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠] تخاف ألاَّ يتقبل الله عز وجل منها فكيف بالفاجرة التي لا تصلي؟ كيف بالتي لا تركع لله ركعة؟ كيف بالتي هجرت القرآن، وهجرت ذكر الله جل وعلا؟ كيف بالتي تتجرأ على المعاصي صباح مساء؟!

اسمعي يا أمة الله: إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو أعبد وأصلح الناس، كيف كان يخاف من الله، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه، وتقول: يا رسول الله! الناس إذا رأوا الغيم فرحوا، رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت الكراهة في وجهك.

فقال: يا عائشة! ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب؟!) قد عذب قومٌ بالريح، وقد رآها قومٌ، فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:٢٤] ما الذي جرى؟ {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الأحقاف:٢٤] كان عليه الصلاة والسلام يخاف إذا رأى ريحاً أو غيماً، أما الآن -وللأسف- فإن الواحدة ترتكب المعاصي، وتنتهك الحرمات، وهي تضحك ولا تبالي، وتقلب رأسها على الفراش في معصية الله جل وعلا، وتتفكر في المعاصي والذنوب ولا تبالي، وتفوم فرحةً مبتهجةً وهي لم تصل الفجر حتى تطلع الشمس.

أمة الله: لماذا قست قلوبنا؟! إن الواحدة ترتكب الذنوب والمعاصي ولا تبالي! اسمعي إلى أبي بكر الصديق، وهو أصلح هذه الأمة رضي الله عنه بعد نبيها، يُروى عنه أنه كان يقول: [يا ليتني كنت شجرة تعضد ثم تُؤكل] وهو مبشرٌ بالجنة، ويتمنى أنه شجرة تقطع، ثم تُؤكل، فيفنى ويذهب، أي: لا حساب ولا عقاب عند الله جل وعلا.

أما عمر وما أدراك ما عمر رضي الله عنه، كان إذا سمع آية فيها بعض العذاب مرض، فيجلس في البيت أياماً يعوده الناس، يظنونه مريضاً وليس به مرض، وأخذ يوماً سدنة من الأرض -أي: حشيشاً- أخذه وقال: يا ليتني كنت هذه السدنة، يا ليتني لم أك شيئاً مذكوراً، يا ليت أمي لم تلدنِ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:١٦] كانوا أصلح الناس، وأتقى الناس، بل كان عمر رضي الله عنه في وجهه خطان أسودان من البكاء، ومع هذا يقول: يا ليتني كنت نسياً منسياً! يا ليتني لم أك شيئاً مذكوراً!

أمة الله: قبل أن تتجرئي على المعصية، وقبل أن تقدمي عليها، وقبل أن تنظري لتلك الصور، وقبل أن تضعي ذلك الفيلم، وقبل أن تستمعي لتلك الأغنية، فكري هل تتحملين عذاب الله جل وعلا وعقابه؟

يروى أن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قال: [وددت أني كنت كبشاً فذبحني أهلي، فأكلوا لحمي، وحسوا مرقي].

وكانت عائشة رضي الله عنها تقول: [يا ليتني كنت نسياً منسياً].

والله تعالى يقول: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:٤٤] اخشي الله جل وعلا قبل أن تتجرئي على معصيته.

أمة الله: أما تخافين من سوء الخاتمة وأنت تقعين في المعصية، وأنت تكلمين فلاناً وتخاطبينه في الهاتف، أو وتنظرين إلى ذلك الفيلم، أو تنامين عن الصلاة أما تخافين من سوء الخاتمة؟!

اسمعي إلى أولئك الأربعة الذين سافروا إلى الخارج للزنا والخنا والمعاصي، فدخلوا إلى مرقصٍ من المراقص، فإذا بهم يتمتعون بشرب الخمور في تلك الليلة، وفي ذلك المرقص، والرب جل وعلا قد نزل إلى السماء الدنيا يقول: (هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟) نزل إلى السماء الدنيا وينظر إلى عباده أين ذهبوا؟ ذهبوا إلى ذلك المرقص، وماذا شربوا؟ شربوا الخمور، ومع من؟ كل واحدٍ معه راقصة داعرة، يرافقها في ذلك الليل وفي أثناء الرقص إذا بأحد الأربعة يسقط على الأرض مغشياً عليه، فتدافع الثلاثة إليه، وفزعوا، وقالوا: يا فلان! ما الذي جرى لك؟ يا فلان! ما الذي حدث؟ فإذا به يحتضر، ويلفظ أنفاسه الأخيرة، فقال له أحدهم: يا فلان! قل: لا إله إلا الله.

فنظر إليه وقال: زدني كأساً وتعالي يا فلانة، زدني كأساً وتعالي يا فلانة، زدني كأساً وتعالي يا فلانة.

وهم يقولون له: قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله، وهو يردد: زدني كأساً وتعالي يا فلانة! ثم خرجت روحه وهو على هذه الحال، وسوف يبعث عند الله جل وعلا وهو على هذه الحال {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:٢٧].

أما تخافين -يا أمة الله- أن تكون تلك الليلة مع ذلك الفيلم، وتلك السهرة أن تكون هي الأخيرة؟! أما تخافين وأنتِ في السيارة تستمعين إلى الأغاني أن يختم الله عز وجل لك بحادث سوء؟! أما تخافين وأنت تنامين وقد وضعت الساعة للدوام والعمل وأنت قد نسيت صلاة الفجر، ثم يقبض الله تلك الروح، ويأخذ الأمانة وأنت نائمة على الفراش؟! ألا تخشين ذلك يا أمة الله؟! أما تخافين من سوء الخاتمة؟!

هذا رجل ذهب إلى بلاد الكفر والزنا، والمسكين يظن أن الدنيا لعب ولهو، ويظن أن الدنيا متاع وشهوات يتمتع منها بما يشاء، ثم يتوب قبل الموت، ثم يرجع في اللحظات الأخيرة! كما هي تلك المرأة المسكينة التي تفعل كل المعاصي والذنوب، وتقول في نفسها: إذا حانت ساعة الوفاة سوف أتوب وأرجع إلى الله جل وعلا!

هذا الرجل ذهب إلى تلك الدول ليرتكب المعاصي والذنوب، فإذا به يتصل على معشوقته وحبيبته، فقال لها: تعالي إلي في هذه الغرفة في مكان كذا، فقالت له: سوف آتي الآن، فانتظرها وتجمل لها، وترقبها على أحر من الجمر، ثم بعد لحظات يرن الهاتف فيرفع السماعة، فإذا بها تعتذر إليه وتتأسف له! فيقول لها: إنني منتظرٌ، وهو في أشد الحسرة والضيق والانتظار والشوق واللهف لها، فتقول له: لا أستطيع أن آتي إليك في هذه الليلة وتغلق السماعة، وهو متألم متحسرٌ لفراقها ولبعدها عنه، وفي لحظات الألم والحسرة يطرق الباب، فيفتح فإذا بها فلانة عشيقته وحبيبته، فإذا به من شدة الفرح ومن شدة الشوق يخر على الأرض ساجداً لها، وإذا بها السجدة الأخيرة، واللحظة الأخيرة، والنفس الأخير، ولم يستطع أن يرفع رأسه بعد تلك السجدة، وسوف يلقى الله جل وعلا على هذه السجدة، وسوف يلقى الله جل وعلا ويكلمه وهو على هذه الحال.

أما تخافين يا أمة الله؟ أما تخشين الله جل وعلا؟! يقول عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن مسعود: (فوالله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها).

يقال عن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- أنه كان إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلة فبكى أهل الدار، فلما تنحت عنهم العبرة قالت فاطمة: بأبي أنت يا أمير المؤمنين لم بكيت؟ قال: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧] ثم صرخ وغشي عليه.