للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ورع الإمام أحمد]

ذكر ورعه وزهده ابن كثير رحمه الله متسلسلة في صفحتين أو ثلاث في البداية والنهاية، وكتب قدر عشر صفحات للإمام أحمد بن حنبل وهي مختصرة وجيدة.

من شدة ورعه رحمه الله أنه كان معه طست، فجاء رجل فوضع طسته بجواره، ثم لم يعرف أيهما طست الإمام أحمد فقال: أيهما طستك؟ فاشتبه على الإمام ذلك فقال: هما لك.

وقال أحمد بن القاسم الطوسي: كان أحمد بن حنبل إذا نظر إلى نصراني أغمض عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أقدر أن أنظر إلى من افترى على الله وكذب عليه، لأنه يقول: إن لله ولداً، فكيف أنظر إليه! فمن شدة ورعه لا يطيق النظر إليهم حتى لا يتذكر الجرم في حق الله سبحانه وتعالى.

وقال علي بن المديني: ليس في أصحابنا أحفظ من أحمد بن حنبل، وبلغني أنه لا يحدث إلا من كتاب، ولنا فيه أسوة حسنة، ما كان واحد أحفظ منه، ومع ذلك يفتح الكتاب ويقرأ ليتأكد أنه صحيح، لذلك يقول الشيخ محمد فوزي: كان مشايخنا الكبار رحمهم الله يعلموننا يقولون: إذا كنت حافظاً للمسألة، وسألك عنها أحد سواء كانت قضية إسلامية أو مسألة سهلة في الصلاة -مثلاً- في الحلال أو الحرام، فالأفضل أن ترجع إلى الكتاب، لأن الإنسان قد يسهو أو يشتبه عليه الأمر، فارجع إلى الكتاب لأن هذا دين.

لذلك قيل: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.

وأنتم تعرفون أن أحمد بن حنبل ممن تطرق إلى مسألة فتنة خلق القرآن، وتعذيب الأمراء له كـ المعتصم والمأمون وكيف جلد بالسياط، وكيف صبر رحمه الله، وكيف فتن المسلمون لولا ثبات أحمد بتثبيت الله له، فكان بعض أبنائه -له ابن اسمه: عبد الله وابن اسمه: صالح - فكان صالح يقبل الفلوس من الأمراء والحكام فكان الإمام لا يقبل منه طعاماً ولا شراباً، حتى وهو على فراش الموت قال: لا تغسلوني بماء ولدي صالح، ولا تكفنوني بكفن اشتريتموه من أموال صالح، لماذا؟

يخاف من هذه الأموال التي من الأمراء وفيها حرام وربا، وفيها ظلم، فهو يبتعد عنها تورعاً، ولذلك لما علم أن ولده صالحاً يأخذ الأموال من الأمراء ماذا فعل؟

قال أحمد بن محمد الدستري: ذكروا أن أحمد بن حنبل أتى عليه ثلاثة أيام ما طعم فيها ولا أكل شيئاً، فبعث إلى صديق له فطلب منه شيئاً من الدقيق، فعرفوا في البيت شدة حاجته إلى الطعام، فخبزوا له بعجلة وسرعة في التنور، فلما وضع بين يديه قال: كيف خبزتم بهذه السرعة؟ فقيل له: كان التنور في بيت صالح مسجوراً فخبزنا به، قال: ارفعوا الطعام، ولم يأكل، وأمر بسد بابه إلى دار صالح، انظروا شدة الحرص وشدة الورع من هذا الإمام الجليل رضي الله عنه.