للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إجابة الإمام أحمد للدعوة]

تحت عنوان الباب الثالث والخمسون في إجابته للدعوة وخروجه لرؤية المنكر، قال علي بن أبي صالح السواق: كنا في وليمة، فجاء أحمد بن حنبل فلما دخل نظر إلى كرسي عليه فضة، فخرج، فلحقه صاحب الوليمة يركض وراءه، فنفض يده في وجهه، وقال: مثل المجوس، مثل المجوس؟! وخرج مولياً مدبراً رضي الله عنه.

ويذكرون كذلك في باب تعبده وورعه رحمه الله أن صالح بن أحمد بن حنبل ولده قال: كان أبي لا يجعل أحداً يستسقي له إناء لوضوئه، يعني: يجر الدلو من البئر، بل يخدم نفسه بنفسه لوضوئه، وكان إذا أخرج الدلو مدروساً ماء -ملئ بالماء- قال: الحمد لله، قلت: يا أبي! أي شيء في هذا؟ فقال: يا بني أما سمعت الله يقول: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:٣٠] انظر كيف يستشعر الآيات، ويستشعر كلام الله سبحانه وتعالى.

ويقول إبراهيم بن شماس: كنت أعرف أحمد بن حنبل وهو غلام وهو يحيي الليل، أما نحن فقد تركنا السنن وأهمها قيام الليل، وكأنا لم نعلم أن المرء إذا صلاها صغيراً ثم عجز عنها كتب له أجره عليها.

وقال الخلال عن عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي لما كبر وأسن، اجتهد في قراءة القرآن، وكثرة الصلاة بين الظهر والعصر، فإذا دخلت عليه انفتل من الصلاة وربما تكلم، وربما سكت، فإذا رأيت ذلك خرجت فيعود لصلاته، ورأيته أكثر من ذلك يقرأ القرآن.

فتأمل كيف يقرأ القرآن، فإذا حس بأن واحداً يدخل عليه في البيت وضع القرآن تحت البشت والعباءة حتى لا يكشف أمره للناس يقولون: كان يقرأ القرآن، ما شاء الله! فلان صوته حلو بالأذان، ما شاء الله فلان خطيب جيد، لا يحب هذه الكلمات أبداً، وإنما دائماً من الورع والتقوى يخفي أعماله بينه وبين الله سبحانه وتعالى.