للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من بشائر نصرة هذا الدين]

السؤال

لو تذكُر لنا بعض البشارات التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم بنصرة هذا الدين؟

الجواب

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من الفتوح التي سوف تفتح مدينتا روميا والقسطنطينية، وقد فُتحت إحداهما، بل وهذا الخبر لعله يكون فيه شيء من عدم التأكد والثبوت، ومن الروايات التي جاءت في التبشير بالنصر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سوف يُظهر الله عز وجل هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، ثم انظر ماذا قال! قال: (عزاً يعز به الله الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله) مَن الذي يعز؟ الله جل وعلا، لا أنت، ولا قوتك، ولا أموالك، ولا كلامك، هذه أسباب فقط، فإذا كتب الله أن ينتصر هذا الدين فسوف ينتصر.

ثم انظر إلى تاريخ الإسلام، وانظر أيضاً إلى واقعنا الآن وقبل سنوات.

قبل أيام جاءني رجل بصور لكاريكاتيرات قبل أكثر من ثلاثين سنة في إحدى الجرائد الكويتية، هذه الكاريكاتيرات كانت في بداية الستينات كلها بأقبح الأساليب، وأسوأ الألفاظ، وبرسومات -يا إخوة- لا يستطيع أحد أن يراها فضلاً عن أن يذكرها، كلها تصوِّر الاستهزاء بالملتزمين في ذلك الزمن، وكان الاسم الذي يطلق على الملتزمين أيام الستينات في الكويت: (المُلاَّ مُصْلِح) وبأنه عنده بار للمسكرات -أجلَّكم الله- وبأنه في بعض الرسومات أمام التلفاز ينهى أهله عن النظر وهو ينظر، وأمور لا أستطيع أن أذكرها احتراماً لبيت الله جل وعلا، أساليب قذرة ووقحة كانت تُنشر في الجرائد على الملتزمين أيام الستينات في هذا البلد.

كان الملتحي إذا دخل الجامعة يصوَّر في الجريدة: القِرَدة تغزو الجامعة!

ولما انتقبت امرأة الجامعة رُسِمَت صورتُها في كاريكاتير إحدى الصحف وعليها شَعرة، وأمامها متبرجة تخاطبها فتقول لها: هذه الشعرة مِن لحية مَن؟ انظر! ألفاظ وقحة قبيحة فيها سب للدين، وشتم للملتزمين.

كان الملتزم إذا قصر ثيابه أمام الناس إلى سنوات يُستهزأ به في المجالس، ويُسخر منه في الطرقات.

وكان إذا التحى بعضهم لا يُزَوج.

بل والله أدركتُ شاباً كان يشتكي لي في أوائل الثمانينات وأواخر السبعينات يقول: إن أبي هددني إذا أطلقت اللحية أن يطردني من البيت.

كان هذا في زمنٍ في هذا المجتمع.

بل كانت المتبرجة التي تصل كامل ثيابها إلى فخذيها تدخل إلى بيت الله مع أبيها، كان هذا هو الحال الموجود في هذه البلد.

الآن انظر إلى الحال كيف تبدل بفضل الله جل وعلا، انظر إلى المدارس والنقابات والانتخابات في كل مكان يحوز على الأصوات الأكثر الملتزمون.

بل الآن أصبح كل من أراد أن يحصل على منصب أو سمعة جميلة يلتحي ويسبل إزاره ويتظاهر بالدين، وبعضهم يتظاهروا، وبعضهم صادق، بل أكثرهم صادقون، لكن بعضهم يتظاهر بالدين لأجل أن يحصل على المناصب وينجح في الانتخابات، أليس هذا دليل أيها الإخوة على نصرة دين الله جل وعلا.

لا يغرنك أيها الأخ الكريم! بعض ما تراه من انتشار المخدرات وهذه الستلايتات التي تغزو البيوت والصحون الهوائية وبعض الأفلام الداعرة وبعض المقالات في الجرائد من العلمانيين الذين يجحدون الحكم بالله جل وعلا، وبما أنزل الله جل وعلا، لا تغرنك هذه الهجمات فإن الساحة لدين الله وإن بشارات النصر في هذا المجتمع وغيره من المجتمعات تبشر بخير.

انظر الآن إلى الشباب في كل عطلة بإذن الله جل وعلا بفضل الله أين يتوجهون؟! إلى حلقات القرآن.

قبل ثلاث أو أربع سنوات لم نسمع في المساجد بحلقات لكتاب الله، أما اليوم أولياء الأمور حتى الذي لا يصلي يجبر ابنه على حفظ كتاب الله، تعال إلى هؤلاء؛ لأنهم جربوا فما وجدوا آمَن على أولادهم من هؤلاء الملتزمين.

إنه نصر لدين الله جل وعلا: (حتى لا يدع الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله فيه هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل).

قبل سنوات مصلَّيات النساء في رمضان -إذا حضرن- صف أو صفين، الآن كل المساجد تشتكي من ضيق في مصليات النساء، ألا يدل على أن هناك من تعمل في وسط النساء بالدعوة إلى الله، بل مِنْهن كما أعلم مَن تحفظ كتاب الله كاملاً وطالبة للعلم وداعية إلى الله تفوق كثيراً من الرجال، أليس هذا نصر لدين الله جل وعلا؟!

أبشر يا عبد الله! إن الصحوة اليوم تتفجر في جميع الدول وفي جميع البلاد، اقرأ الجرائد، كل الدول الآن تنادي بالعودة إلى دين الله جل وعلا، جرَّبوا القومية، جرَّبوا الديمقراطية، جرَّبوا الماركسية، جرَّبوا جميع الدعوات والنعرات، فعلِموا أنها كلها خائبة ولا تحقق السعادة في الدنيا والآخرة، فإذا بهم يطالبون -حتى بعض غير الملتزمين ترى صورهم في الجرائد- بالحكم بما أنزل الله وبالعودة إلى دين الله.

من كان يظن يوماً من الأيام أن تركيا يحكمها رجل إسلامي كما يقولون، دعك مما عليه من سلبيات وغيرها؛ ولكن من كان يظن أن تركيا تصل إلى هذه الحال، تركيا التي تحارب فيها اللغة العربية، ويمنع فيها الأذان وليس فيها حلقة للقرآن، الآن تتفجر حلقات القرآن في كل مكان بفضل الله جل وعلا.

إنه دين الله يا عبد الله، لا تظن أن الدبابات والصواريخ النووية والكيماوية والسياسات والجيوش تقف أمام دين الله.

إذا كتب الله أن ينصر الدين ينصره: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة:٢١] بل إذا شاء الله يجبر على الاستقامة.

بل الله عز وجل لما نصر عبده الذي جاء يدعو قومه إلى الله من أقصى المدينة قتلوه، أتعرف ماذا قال الله جل وعلا لهذا الشاب الذي كان يدعو قومه إلى الخير فقتلوه، بعثه الله في الجنة فإذا به يقول: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:٢٦ - ٢٧] وقال الله جل وعلا في نصرته: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ} [يس:٢٨] ما أنزل الله لأجله ملَكاً، لِمَ يا ربِّ؟! أليس هو عبدك؟! ألم يُقْتَل في سبيلك؟! ألم تذهب روحه لأجلك يا ربِّ؟! لِمَ لَمْ تنزل له ملائكة تقاتل؟! قال: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} [يس:٢٨ - ٢٩] صيحة واحدة، فالأمر لا يحتاج إلى ملائكة ولا إلى جند تنزل من السماء، لا.

ما هي إلا صيحة واحدة فإذا بالقوم كلهم خامدون، ولا تسمع منهم صوتاً ولا حراكاً وهمساً.

فهي قوة الله جل وعلا، فاستعن بالله، وتوكل على الله، وابذل الأسباب.

لابد أن نحقق كلام الله جل وعلا، وندعو إلى الله بالتي هي أحسن، نأمر الناس بالمعروف، ننهى عن المنكر، ننشر كلام الله وأحاديث محمد صلى الله عليه وسلم بين الناس، نعظ الناس بالتي هي أحسن، أما النصر فهذا ليس من عندك ولا من عند أحد من الناس: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:١٢٦] والله أعلم.