للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة لعائشة أم المؤمنين]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيتها الأخوات الكريمات: هذه سلسلة من الرسائل النسائية، أبدأها بالرسالة الأولى بعنوان: "قصص وعبر" وأسأل الله عزَّ وجل أن يكون لنا في هذه القصص عبرة، فإن من النساء، بل من الناس عموماً من تمر عليه القصص فلا يعتبر، والسعيد من اتعظ بغيره، نبدأ هذه القصص لا للتسلية، ولا لقضاء الأوقات، ولا للطرف، ولا للهزل، إنما نقص هذه القصص عبرة، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:١١١] ويقول تعالى: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٦].

فالله جلَّ وعلا قد ملأ القرآن بالقصص، لِمَ هذه القصص؟ قال الله جلَّ وعلا: {عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف:١١١] نبدأ هذه القصص، قصة قصة، ولعل في كل قصة فائدة وعبرة عظيمة، لكن تكفينا في بعضها الإشارة، وبعض التلميحات لها.

القصة الأولى:

إنها قصة عائشة، الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، قال القاسم: كنت إذا غدوت بدأت ببيت عائشة فأسلم عليها، يقول: فدخلت عليها يوماً وهي تصلي وتقرأ قول الله عزَّ وجلَّ وتبكي: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:٢٧] قال: فنظرت إليها وانتظرت، فأعادت الآية: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:٢٧] قال: فانتظرت مرة ومرتين، فإذا بها تردد الآية وتبكي، قال: فطال عليّ المقام، فذهبت إلى السوق لأقضي حاجة لي، قال: فرجعت فإذا هي قائمة كما هي تبكي وتصلي وتقرأ القرآن.

تقول عائشة رضي الله عنها: [إنكم لن تلقوا الله عزَّ وجلَّ بشيء خير لكم من قلة الذنوب].

عند احتضارها، تلك الفقيهة العالمة العابدة، جاءها ابن عباس، وكان عندها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال لها: [إن ابن عباس يستأذن عليك، يريد الدخول -وتعلمن ما الذي حدث بينها وبين ابن عباس - فقالت: ما لي ولـ ابن عباس -وهي تحتضر- فاستأذن مرة أخرى فأذنت له فدخل، فلما دخل أثنى عليها خيراً وأخذ يطريها، ويكيل لها المدائح، فقالت: دعك عني يـ ابن عباس، دعك عني يـ ابن عباس، فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً] {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون:٦٠].

زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كانت إحداهن تربط حبلاً تتعلق فيه في قيام الليل، إذا تعبت تعلقت بالحبل، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (ما هذا؟ فأخبروه الخبر، قال: حلوه، ليصلِ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد، فإن الله لا يمل حتى تملوا).

أمة الله! سلي نفسك أين أنت من قيام الليل؟ أين أنتِ من قراءة القرآن؟ من العبادة، من الصيام والصدقة، من النوافل والطاعات، أين أنتِ من هذه كلها؟ ثم ماذا تقول عائشة: [لوددت أني كنت نسياً منسياً].

{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:١٦].

سوف نقتصر في القصص -يا أمة الله- على النساء، ولما فتحت وقلبت الصفحات، واستمعت إلى العلماء والمشايخ رأيت أن في النساء أمثلة عجيبة، وأمثلة كثيرة غريبة، تفوق بعضها أمثلة الرجال.