للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظاهرة الإدمان]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

أيها الإخوة الكرام: هذه رسالة موجهة إلى مدمن، ولعلكم تجدون في الحديث أسلوباً غير مباشر للحاضرين، لكن لعل السامع منكم أن يستفيد من كلماتي.

أيها الأخ الكريم: أوجه إليك هذه الكلمات يا من وقعت في حبائل المخدرات يا من بدأت تتعاطى؛ بل أصبحت مدمناً، أوجه إليك هذا الحديث، فارع لي سمعك، وتوقف معي دقائق، واستمع لي ولن تخسر شيئاً إن لم تستفد أمراً من كلامي.

لو سألت أكثر المدمنين في هذا الزمن، وأكثر المتعاطين للمخدرات: لِمَ تتعاطون المخدرات؟ ولِمَ أدمنتم عليها؟ ولِمَ وقعتم في حبالها؟ لأجابك أكثرهم: أبحث عن السعادة، أبحث عن الراحة، أريد الطمأنينة.

فلو سألته: هل وجدتها؟ أظن وأجزم بأن أكثر من تعمق في المخدرات وأدمن عليها سوف يجبك بهذه الإجابة ويقول: كلا، كلا والله لا زلت أبحث عنها.

عمَّ تبحث؟ أبحث عن هذه السعادة الموهومة.

جلست يوماًَ من الأيام أنصح شاباً سلم نفسه بجريمة قَتْل -قَتْل عمداً- قَتَل رجلاً ثم سلم نفسه، فلما جلستُ معه وأخذت أحدثه عن التوبة، وأخوفه بالله جل وعلا فيما فعل، قال لي: يا شيخ! ماذا تقول؟ أنا سبع سنوات مدمن للمخدرات، قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! سبع سنوات وأنت مدمن للمخدرات؟ وانظر للنهاية قال: نعم يا شيخ! سبع سنوات وأنا مدمن لهذه المخدرات، قلت له: ماذا كنت تحس؟ قال: يا شيخ! وأنا أدمن وأتعاطى المخدرات أحس كأنني أطير في الهواء، قلت له: ثم ماذا؟ قال: ثم عذاب وألم وحسرة، يقول: وهكذا سبع سنوات لم تنته إلا بالقتل، وسلم نفسه ينتظر القصاص، أتعرف لماذا؟ لأن الله جل وعلا يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً} [طه:١٢٤] نعم يعيش، يأكل ويشرب ويلبس، ينام ويستيقظ، يمشي ويتحرك، يعيش، لكن انظر إلى عيشته: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] * {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى} [طه:١٢٥] السماء تفطرت، والأرض تزلزلت، والجبال نسفت، والبحار احترقت وسجرت، والقبور بعثرت، والوحوش حشرت، والولدان قد صارت رءوسهم شيباً، ويمشي هذا الرجل المسكين على صراط أدق من الشعر وأحد من السيف، وجهنم تلهب تحته، يقول: ربِّ إني أعمى، ويجوز الصراط وهو أعمى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:١٢٥] يعني في الدنيا، انظر للسبب: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه:١٢٦] أتذكر ذلك المجلس الذي سمعتَ فيه بعض الآيات؟ أتذكر ذلك الشريط الذي أهدي إليك فاستمعت إليه لكنك نسيت: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:١٢٦].