للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آية العز]

(الله أكبر) كلمة أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر بها أهل الإيمان في آية سماها بعض أهل العلم: آية العز ألا وهي قول الله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء:١١١]، وهذه آخر آية ذكرها الله في سورة الإسراء، وهي السورة التي فيها ذكر أعظم مقامات النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما أجراه الله له في تلك الليلة من الإسراء من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى حيث قال جل وعلا: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [الإسراء:١]، هذه الليلة هي أشرف ليلة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عرج به إلى السماء السابعة، وكلم فيها رب العالمين جل وعلا، كما قال سبحانه وتعالى: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم:١ - ٩]، ذلك كله من رب العالمين، {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى} [النجم:٩ - ١٠]، يعني: رب العالمين، {إِلَى عَبْدِهِ} [النجم:١٠]، يعني: جبريل، {مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:١٠ - ١٢]، تلك الليلة هي أعظم الليالي لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، رأى فيها من آلاء الله وعظيم صنعه جل وعلا ما يبهر العقول، ومع ذلك قال: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:١٧]، وذلك لعظيم جأش النبي صلى الله عليه وسلم، وقوة قلبه، وثبات فؤاده صلى الله عليه وسلم، ما زاغ ولا طغى بصره، بل كان بصره فيما أذن الله له أن يراه، ولم يتجاوز ذلك قيد أنمله، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وختم الله تلك السورة بتقديسه وتعظيمه بهذه الآية التي سماها بعض أهل العلم بآية العز فقال جل وعلا: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ} [الإسراء:١١١] يعني: لا يوالي الناس، ولا يوالي الخلق لحاجته إليهم سبحانه وبحمده، بل هو القوي الحميد، كما في حديث أبي ذر في صحيح الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا قال: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)، فالله سبحانه وتعالى هو الغني، كما قال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥]، أنتم الفقراء بمجموعكم: أولكم وآخركم، شرفاؤكم ووضعاؤكم، أنبياؤكم وأتباعهم، الملوك والمملوكون، الرعاة والرعية، الكل فقراء إلى الله جل وعلا، لا غنى لأحد من الخلق -مهما بلغ- عن ربه جل وعلا، ومن ظن أنه في غنى عنه فإنما أتى من قبل نفسه، بل هو في غاية الحاجة إليه، فقل لهذا الذي استغنى عن ربه: من الذي يجري الدماء في عروقك؟! ومن الذي يعالج النفس في صدرك؟! إنه الله الذي لا إله إلا هو، فهل يكون الإنسان بعد هذا في غنىً عن ربه جل وعلا؟

الجواب

لا، والله! بل إن كل من ادعى الغنى فقد كذب على رب العالمين، وكذب على نفسه أعظم الكذب، فالكل كما قال الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} [فاطر:١٥].

أمر الله جل وعلا رسوله وأهل الإيمان في هذه الآية -آية العز- بأن يعظموه فقال: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء:١١١]، قال ذلك بعد أن ذكر لنا من صفاته وعظيم ما أخبر به عن نفسه ما يبعث في القلوب عظمة رب العالمين سبحانه وبحمده، فهو الذي له الحمد كله، كما قال في أول هذه الآية: {َقُلِ الْحَمْدُ لله} [الإسراء:١١١]، وإنما يحمد لعظيم صفاته، وعلى أسمائه، وجميع أفعاله سبحانه وتعالى، فإنه إنما يستحق الحمد من كانت له الأسماء الحسنى والصفات العلى والأفعال الجليلة، فإنه بهذا يستحق الحمد: {َقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسراء:١١١]، فهو ليس بحاجة إلى ولد: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء:١١١]، فليس له مشارك في هذا الملك ينازعه أو يقاسمه: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الإسراء:١١١]، فلم يتول عباده، ولم يتقرب إليهم، ولم يحبهم لحاجته إليهم، بل هو الغني الحميد سبحانه وبحمده، وإنما يحبهم ليوصل إليهم إحسانه، وليبرهم جل وعلا: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الإسراء:١١١]، أي: عظمه تعظيماً، وصفْه بأنه أعظم من كل شيء سبحانه وبحمده.

<<  <  ج: ص:  >  >>