للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة الإمام مسلم وثناء العلماء عليه]

عن أحمد بن مسلمة قال: رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما.

فعصر الإمام مسلم والبخاري هو العصر الذهبي لتدوين السنة؛ لأن الأئمة البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وأبا داود، وابن ماجه، والدارمي كانوا في عصر واحد، وقد دونوا لنا كتب السنة المعروفة المشهورة المتداولة، وهذه الطبقة كانت بعد طبقة الإمام أحمد، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى النيسابوري.

وقبل هذه الطبقة طبقة: عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد القطان.

وقبلها طبقة كبار أتباع التابعين كالإمام مالك والسفيانين: سفيان الثوري بالكوفة، وسفيان بن عيينة بمكة والحجاز، وشعبة بن الحجاج، والأوزاعي، والليث بن سعد.

وطبقة صغار التابعين وفيها الإمام الزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وقد أخذوا عن كبار التابعين مثل: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وخارجة وهؤلاء من أئمة التابعين، ثم هؤلاء أخذوا عن الصحابة كـ أنس بن مالك وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهما.

فهذه طبقات تروى حتى نستحضر طبقة الشيخ نعلم من فوقه ومن تحته من تلامذته ومن شيوخه.

يقول: عن الحسين بن منصور قال: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ويعرف ويشتهر بـ إسحاق بن راهويه.

فقد ذكر مسلم بن الحجاج فقال: مربى كاب مبول، وهذا الكلام فيما يبدو بالفارسية ومعناه: أي رجل كان هذا.

وقال أبو عمرو أحمد بن المبارك: سمعت إسحاق بن منصور يقول لـ مسلم بن الحجاج: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: كان ثقة من الحفاظ، كتبت عمن روى عنه، وسئل عنه أبي فقال: صدوق، فـ أبو حاتم الرازي من طبقة مسلم والبخاري، وأبي زرعة ولابنه عبد الرحمن كتاب مشهور وهو الجرح والتعديل، فـ عبد الرحمن بن أبي حاتم إمام حافظ ينقل عن أبي حاتم الرازي.

وقال أبو قريش الحافظ: سمعت محمد بن بشار يقول: حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري، ومسلم بنيسابور، وأبو عبد الله الدارمي بسمرقند، ومحمد بن إسماعيل ببخارى.

وقال أبو عمرو بن حبان: سألت ابن عقدة الحافظ عن البخاري ومسلم أيهما أعلم؟ فقال: كان محمد عالماً ومسلم عالماً، فكررت عليه مراراً ثم قال: يا أبا عمرو قد يقع لـ محمد بن إسماعيل الغلط في أهل الشام، وذلك أنه أخذ كتبهم فنظر فيها، فربما ذكر الواحد منهم بكنيته، ثم ذكره في موضع آخر باسمه، ويتوهم أنهما اثنان.

أما مسلم فقل ما يقع له من الغلط؛ لأنه كتب المسانيد ولم يكتب المقاطيع والمراسيل، فهذا سر الترجيح على صحيح البخاري؛ لأن مسلماً أرجح وأعلى درجة وأتقن لهذه الصنعة.

وقوله: (المسانيد) أي: الأحاديث المسندة، وذلك لأن البخاري رحمه الله أكثر في صحيحه من المقاطيع والموقوفات والأحاديث المعلقة؛ لأن البخاري رحمه الله قصد مع تجريد الصحيح استنباط الأحكام الفقهية والنكت الحكمية.

والناظر في كتاب البخاري يجد فيه الفقه، فيقول مثلاً: كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي، فيترجم للأبواب، ويقطع الأحاديث، ويذكر الأحاديث بأكثر من رواية وفي أكثر من موضع، ويستأنس بأقوال الصحابة وبالمقاطيع والأحاديث المعلقة؛ يستأنس بذلك للتراجم التي يترجم لها.

أما الإمام مسلم فقد قسم صحيحه إلى كتب، مثل كتاب الإيمان، وكتاب الصلاة، وكتاب الجنائز، ولم يبوب أبواباً، وكان في الكتاب الواحد يسرد الأحاديث الكثيرة، وربما ذكر الحديث الواحد مروياً بخمس روايات أو أكثر، يسرد هذه الروايات المتتابعة في موطن واحد.

أما التراجم الموجودة الآن في كتاب صحيح مسلم فالمشهور والمتداول أنها من صنع الإمام النووي فقد وضع هذه التراجم للأبواب، أما الإ