للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحث على إنفاق المال في وجوه الخير]

قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

فكل عبد أنعم الله عز وجل عليه بنعمة، فإن من شكر هذه النعمة أن يستعملها في طاعة الله عز وجل، ولا يستعملها في معصية الله عز وجل، كما قال موسى عندما قتل القبطي: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:١٧].

أي: بما أنعمت علي من قوة البدن، ومن السلطان ومن الوجاهة فلن أكون ظهيراً للمجرمين، فمن أعطاه الله عز وجل علماً فعليه أن يسعى في تعليم هذا العلم، ومن أعطاه الله عز وجل مالاً فلينفق من هذا المال في طاعة الكبير المتعال، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجلاً آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها).

فمن أعطاه الله عز وجل جاهاً ومنزلة في قلوب الناس، فزكاة ذلك الشفاعات الحسنة: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [النساء:٨٥].

فعلى العبد أن يشكر نعمة الله عز وجل عليه، مهما كانت هذه النعمة، {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

قال بعضهم: لا تنس نصيبك من طاعة الله عز وجل، وهذا غاية الوعظ والنصح عباد الله؛ لأن هذا هو النصيب الحقيقي من الدنيا، وقال بعضهم: هو من باب الترفق به: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

أي: أنك لا تترك زينة الدنيا بالكلية: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:٣٢].

أي: الرزق الحلال والتمتع بالطيبات والمباحات، يشارك المؤمنون الكافرين في الدنيا، ولكنه وقف في الآخرة على المتقين، وعلى أهل الدين والإيمان.

وقيل: {وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:٧٧].

أي: لا تنس أنك لا تنال من الدنيا إلا الزاد والكفن.

فانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الزاد والكفن أي: أن هذا نصيب العبد من الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: فإن ماله ما قدم، ومال وارثه ما أخر).

فالعبد قد يجمع الدنيا ويكنزها ولا يخرج حق الله عز وجل منها، ثم يترك هذا المال بأجمعه لورثته، فورثته إما أن يكونوا من الصالحين، فينفقون هذا المال في طاعة رب العالمين، فيجد المال الذي اكتسبه والذي بخل بزكاته وبإنفاقه حتى على نفسه، يجده في ميزان غيره يوم القيامة، أو يستعين به الورثة على معصية الله عز وجل، فيكون قد جمع لهم المال، وتركه لهم يعصون به الكبير المتعال، فهو على كلا الحالتين نادم عباد الله، ولكن من أنفق ماله في طاعة الله عز وجل، فإنه يجد هذا المال موفوراً مدخراً يوم القيامة.

كان بعض السلف إذا أتاه سائل، يقول: مرحباً بمن جاء يحمل حسناتي إلى يوم القيامة.

وقال بعضهم: نعم السائلون، ينقلون حسناتنا إلى الآخرة بغير أجرة، أي: يبدلون هذه العملة إلى حسنات يوم القيامة، ولا يأخذون أجراً على ذلك.