للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر قارون في القرآن الكريم والسنة وذم الله له]

قال ابن كثير: وقد ذكر الله تعالى فذم قارون في غير ما آية من القرآن، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [غافر:٢٣ - ٢٤].

فقارون كذب بموسى وكذب بالآخرة فهو كافر، كذلك النصارى يكذبون بالآخرة فهم كفار، فليس كل إنسان يقر بالآخرة يكون بذلك محسناً.

وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:٣٩ - ٤٠].

فالذي خسف الله به الأرض قارون -كما تقدم- والذين أغرقهم الله فرعون وهامان وجنودهما إنهم كانوا خاطئين.

كذلك روى الإمام أحمد قال: حدثنا أبو عبد الرحمن قال: حدثنا سعيد قال: حدثنا كعب بن علقمة عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)، انفرد به الإمام أحمد.

ولذلك يقولون: من شغله المال كان مع قارون، ومن شغله الحكم أو السلطان كان مع فرعون، ومن شغلته الوزارة كان مع هامان، ومن شغلته التجارة كان مع أبي بن خلف.

قال الدكتور أحمد جمال العمري: تمثل قصة قارون في القرآن الكريم جانب الطغيان بالمال، والغرور بالعلم، وكيف مآلهما إلى الفناء إذا تطوقت الأهواء، وسيطرت الأطماع، وتحول الإنسان من مجرد مخلوق من مخلوقات الله إلى متجبر متكبر يعلو بنفسه فوق الناس، ويزهو ويتعالى عليهم، وينظر إليهم بمنظار الاستعلاء والاستكبار.

وقد وردت هذه القصة في القرآن على سبيل العظة والعبرة في إثبات أن كل شيء مآله إلى الزوال، وأن الباقي هو وجه الله ذو الجلال والإكرام.

ويقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله: في كل زمان ومكان تستهوي زينة الأرض بعض القلوب، ويظهر الذين يريدون الحياة الدنيا، ولا يتطلعون إلى ما هو أعلى وأكرم منها، فلا يسألون بأي ثمن اشترى صاحب الزينة زينته، ولا بأي وسيلة نال ما نال من عرض الحياة من مال أو منصب أو جاه، ومن ثم تتهافت نفوسهم وتتهاوى كما يتهافت الذباب على الحلوى ويتهاوى ويسيل لعابهم على ما في أيدي المحظوظين من متاع، غير ناظرين إلى الثمن الباهظ الذي أدوه، ولا إلى الطريق الدنس الذي خاضوه، ولا إلى الوسيلة الخسيسة التي اتخذوها.

إن الكثير من أصحاب الأموال يصلون إلى الملك بطرق محرمة، فهم يستبيحون لأنفسهم أشياء حرمها الله عز وجل، إما بتجارات محرمة، أو بالظلم والبغي أو بالنفاق.

قال: فأما المتصلون بالله فلهم ميزان آخر يقيم حياتهم، وفي نفوسهم قيم أخرى غير قيم المال والزينة والمتاع، وهم أعلى نفساً وأكبر قلباً من أن يتهاووا ويتصاغروا أمام قيم الأرض جميعاً، ولهم من استعلائهم بالله عاصم من التخاذل أمام جاه العباد، وهؤلاء هم الذين أوتوا العلم الصحيح الذي يقومون به الحياة حق التقويم.

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:٨٠].

يقول: ثواب الله خير من هذه الدنيا، وما عند الله خير مما عند قارون، والشعور على هذا النحو درجة رفيعة لا يلقاها إلا الصابرون الصابرون على معايير الناس ومقاييسهم، الصابرون على فتنة الحياة وإغرائها، الصابرون على الحرمان مما يتشهاه الكثيرون، وعندما يعلم الله منهم الصبر كذلك يرفعهم إلى تلك الدرجة، درجة الاستعلاء على كل ما في الأرض، والتطلع إلى ثواب الله في رضا وثقة واطمئنان.

نكتفي بهذا القدر.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين.