للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الإخلاص]

قيل في تعريف الإخلاص: هو إفراد الله عز وجل بالقصد في العبادة، أي: أن يعمل العبد العمل لا يريد به إلا وجه الله عز وجل.

وقيل: هو تجريد قصد التقرب إلى الله عز وجل من جميع الشوائب.

وقيل: هو نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.

هذه معاني الإخلاص.

وقد يظن ظان بأن الإخلاص أمر يسير يتيسر لكل عبد في كل حال، في حين أن العلماء يقولون: تخليص النيات على العمال أشق عليهم من جميع الأعمال.

وقال بعضهم: إخلاص ساعة نجاة الأبد، ولكن الإخلاص عزيز.

وقيل للإمام سهل: يا أبا محمد! أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص؛ إذ ليس لها فيه نصيب.

فالنفس تحب الظهور والمدح والرياسة، وزينت لها الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فحتى يتيسر للعبد الإخلاص وتختم به أعماله ينبغي عليه أن يقطع حب الدنيا من قلبه، وأن يملأه بحب الله عز وجل، فيكون المحرك له من داخله محبة الله عز وجل وإرادة الدار الآخرة، فعند ذلك يتيسر عليه الإخلاص، وأما غيره فباب الإخلاص مسدود عليه إلا في النادر.

قال ابن عمر رضي الله عنهما: لو أعلم أن الله عز وجل يقبل مني سجدة بالليل وسجدة بالنهار لطرت شوقاً إلى الموت، إن الله عز وجل يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧].

فالإخلاص من أشد الأشياء على النفس.

وقال عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣] فكل عمل كان بإرادة غير الله مشوباً مغموراً يجعله الله عز وجل يوم القيامة هباءً منثوراً.

وقال عز وجل: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:٥].

وقال عز وجل: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣]، أي: لا يقبل الله عز وجل إلا الدين الخالص.

وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر - أي المدح - فما له؟ قال: لا شيء له، فأعادها السائل عليه ثلاث مرات، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) أي أن العمل مهما كان موافقاً للسنة فإنه لا يُقبل إلا بتوفر النية الصالحة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) يخص الطاعات والمباحات دون المعاصي، فإن المعصية لا تصير طاعة بالقصد الصالح والنية الصالحة، ولكن العمل المباح تقوى النية الصالحة على رفعه إلى درجة الطاعات، فيمكن للعبد أن يتاجر بمباحاته مع الله عز وجل، فالنية الصالحة ترفع رتبة المباح فتجعله من القربات والطاعات، ولكن لا تقوى النية الصالحة على أن تقلب البدعة سنة أو تقلب المعصية طاعة.

هذا الشرط الأول من شرطي قبول العمل، وهو الإخلاص.