للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل العلم ومنزلة العلماء]

قال: العلم يزكو على الإنفاق، والمال نتقصه النفقة، العلم حاكم -يحكم على الملوك فمن دونهم-، والمال محكوم عليه، ومحبة العلم دين يدان بها؛ لأن محبة العلم تدعو إلى التعلم، وحب العلماء وحب أهل العلم دين يدان الله عز وجل به.

قال: ومحبة العلم دين يدان بها، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته.

دخل رجل البصرة، فقال: من سيد هذه القرية؟ قالوا: الحسن البصري فقال بم سادهم؟ قالوا: احتاجوا إلى علمه، واستغنى عن دنياهم.

فالعلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة -أي: الذكر الحسن والثناء الطيب- بعد وفاته.

قال: وصنيعة المال تزول بزواله.

أي: من يتصنع لك من أجل مالك، ومن يحترمك من أجل مالك، ومن يخدمك من أجل مالك، إذا ذهب هذا المال، تذهب الصنائع، ويذهب الاحترام، وتذهب الخدمة كما قال بعضهم: وكان بنو عمي يقولون مرحباً فلما رأوني معسراً مات مرحب ثم قال: العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزواله، مات خزان الأموال وهم أحياء.

فكم في الدنيا من يملك المليارات، ولا يحس به أحد، ولا يعرفه أحد؛ لأنه يعيش لنفسه، لا ينتفع الناس به، ولم ينفع الناس بعلم نافع ولا بعمل صالح، فكثير من أصحاب الأموال أموات وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، هؤلاء العلماء الذين ملئوا الدنيا علماً، علماء الحديث والفقه والتفسير والعقيدة وغيرهم من علماء الأمة الأعلام، ما فقدنا إلا أعيانهم وأجسامهم، ولكن ذكرهم ومحبتهم، وعلمهم باق يتوارثه الناس، ولا يكاد يمر يوم حتى يذكر الناس الشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك، وشيخ الإسلام ابن تيمية كأنهم أحياء بين ظهرانينا.

قال: مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه إن هاهنا علماً.

قالوا: يجوز للعالم أن يخبر أن عنده من العلم، لا من أجل التفاخر والتكبر على عباد الله، ولكن من أجل أن يسأله من يحتاج أن يسأل العلماء، ومن أجل أن يستفاد منه ويُتعلم منه، وحتى لا يضيع نفسه، فـ علي بن أبي طالب كان يعين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان عمر يقول: نعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.

أي: لا يستطيع أن يحل إشكالها أبو حسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

فيقول: آه آه إن هاهنا علماً، لو أصبت له حملة.

يشتكي وهو في الأزمنة المتقدمة -أزمنة الجيل الأول والثاني- من فقدان طلبة العلم الذين يقومون بحقه.

قال: لو أصبت له حملة، بلى أصبته لقناً، غير مأمون عليه، يستعمل آلة الدين للدنيا، أي: يصل إلى أغراضه الدنيوية بالدين، وبإظهار الزهد والورع والعلم.

قال: يستعمل آلة الدين للدنيا، يستظهر بحجج الله على كتابه، وبنعمه على عباده.

يتعالى على شرع الله عز وجل وعلى عباد الله بما حصله من العلم ومن الحجج الشرعية.

قال: لا ذا ولا ذاك.

فهذان الصنفان الأولان: من يصل إلى أغراضه الدنية الدنيوية بالعلوم الشرعية، والثاني وهو الذي يتعالى ويتكبر على دين الله، وعلى عباد الله.

يقول: لا ذا ولا ذاك، أو منهوم باللذات، سلس القياد للشهوات، الذي يلهث خلف الشهوات الدنيوية، فمثل هذا لا يؤهل لوراثة النبوة، ولا يؤهل لطلب العلم، والدعوة إلى الله عز وجل، ويقال له: فدع عنك الكتابة لست منها ولو سودت وجهك بالمداد قال: أو منهوم باللذات، سلس القيادة للشهوات، أو مغرم بجمع الأموال والادخار، ليس له هم إلا جمع المال.

يقول: ليسوا من دعاة الدين.

هؤلاء الأصناف الأربعة: ليسوا من دعاة الدين.

قال: كذلك يموت العلم بموت حامليه، وفيه إشارة إلى الحديث الصحيح: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رءوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).