للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إخبار القرآن بأمور غيبية مستقبلية ووقوعها على نحو ما أخبر به]

الوجه الثاني من الإعجاز عباد الله: هو أن القرآن أخبر بأمور غيبية فوقعت كما أخبر القرآن سواء بسواء، قال عز وجل: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} [الروم:١ - ٥].

حدث في الفترة المكية في بداية البعثة أن الفرس انتصروا على الروم، والروم أهل كتاب والفرس يعبدون النار، فكان الروم هم أقرب إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لأن أهل الكتاب كفرهم أخف من كفر عابدي الصنم وعابدي النار، والمشركون أقرب إلى الفرس فحزن المسلمون لذلك، فبشرهم الله عز وجل بأن الروم سوف ينتصرون على الفرس في بضع سنين، والبضع في لغة العرب من ثلاثة إلى تسعة، وبعد سبع سنين من نزول هذه الآية الكريمة انتصرت الروم على الفرس كما أخبر القرآن سواء بسواء.

ثم قال عز وجل: {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ} [الروم:٤] أي: أن المسلمين سوف ينتصرون على الفرس والروم، وإذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده، وإذا ذهب قيصر فلا قيصر بعده، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق هذا الوعد الصادق للمسلمين.

وقال عز وجل والمسلمون يعذبون في ربوع مكة: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:٤٥] في سورة القمر وهي سورة مكية، وتحقق هذا الوعد الصادق في أول لقاء بين الكفر والإيمان، في يوم الفرقان يوم التقى الجمعان، انتصر المسلمون على الكفار نصراً مؤزراً قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:١٢٣].

فهذا الإعجاز من إعجاز القرآن، وهو أنه أخبر بالمغيبات، ووقع الأمر كما أخبر القرآن سواء بسواء.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.