للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من فضل الله عز وجل على النبيين الكريمين داود وسليمان]

إن سليمان نبي الله ابن نبي الله داود، أثنى الله عز وجل عليهما بالعلم فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل:١٥]، رزقهما الله عز وجل الملك والنبوة، واشتهرا بالقضاء والعلم والحكمة، وداود هو الذي قتل جالوت كما بينا ذلك في قصة طالوت، وكان داود شاكراً لله عز وجل، قال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣]، فقد كان لا تمر عليهم ساعة من ليل أو نهار إلا وفيهم جالس يسبح الله عز وجل، أو قائم أو ساجد لله عز وجل.

ومن فضل الله عز وجل على داود: أن وهب الله له سليمان، قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٣٠]، وهذا نوع من شكر الله عز وجل للشاكرين من عباده، وليس معنى ذلك أن داود لم يكن له من الأولاد إلا سليمان كما يشير إلى ذلك قوله عز وجل: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ} [النمل:١٦]؛ لأن داود كان له مائة امرأة من الحرائر غير ما تملك يمينه من الإماء، فكان له أولاد كثيرون، ولكن الله عز وجل وهب له سليمان وجعل فيه الملك والنبوة، وأثنى عليه بقوله: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:٣٠]، والأنبياء لا يورثون ديناراً ولا درهماً، ولكن يورثون العلم، فورث سليمان داود في النبوة والعلم والحكم والقضاء، كذلك ورثه في الملك، قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ} [النمل:١٥].

فانظروا يا عباد الله! كيف شكر سليمان ربه عز وجل على كل نعمة، وكيف تحدث بنعم الله عز وجل، وكيف أعطاه الله عز وجل من الملك ما لا ينبغي لأحد من بعده، إذ سخر له الريح تجري بأمره حيث أراد، فكانت الريح تحمل جنوده، {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:١٢].

ويذكر أن سليمان عليه السلام ذبح الخيل لله عز وجل؛ لأنها شغلته عن ذكر ربه، فعوضه الله عز وجل بالريح التي تحمل جنوده بلا كلفة ولا مئونة، وسخر له الجن والإنس والطير فهم يوزعون، فكانت الشياطين والجن تعمل بين يديه الأعمال الشاقة: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} [سبأ:١٣] وكانوا يغوصون في البحر ويأتونه باللآلئ.

ومن فضل الله عليه أن علمه لغة الطير والحيوانات، فكيف تصنع التكنولوجيا الحديثة مع قدرة الله عز وجل؟