للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بشارة أهل التقوى والإيمان]

فننتخب هؤلاء الذين اختارهم الله عز وجل والذين شرفهم الله عز وجل، فقال: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس:٦١ - ٦٤].

فهؤلاء أولياء الله عز وجل الذين آمنوا وكانوا يتقون، هؤلاء أولياء الله عز وجل لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلهم في الدنيا محبة الخلق، وثناء الخلق، كما ورد في صحيح مسلم: (قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: الرجل يعمل العمل لا يريد به إلا وجه الله، فيحبه الناس -وفي رواية:- فيثني عليه الناس؟ فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن).

فمن المبشرات في الدنيا محبة الخلق وثناء الخلق، ومن المبشرات في الدنيا كذلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟! قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له).

فأهل الإيمان والتقوى مبشرون بكل خير في الدنيا والآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠].

تتنزل عليهم الملائكة في كل وقت وحين، وقيل: تتنزل عليهم عند الموت بقول الله عز وجل: {أَلَّا تَخَافُوا} [فصلت:٣٠] أي: مما تستقبلونه من أمر الآخرة، (وَلا تَحْزَنُوا) على ما فاتكم من الدنيا، ولا تحزنوا على فراق أولادكم وأموالكم: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:٣١ - ٣٢].

فهم في الجنة، وحلاوة البشرى في قلوبهم، فإذا خرجت روح المؤمن بشرت بكرامة الله، وبفضل الله عز وجل، وبرحمة الله عز وجل، فتأتي تطير فوق الجنازة، وتقول: قدموني قدموني، تستعجل رحمة الله عز وجل، وتشتاق إلى كرامة الله عز وجل؛ لأنها تعلم أن الجسد يساق إلى روضة من رياض الجنة، وأن الروح تنعم في جنة الله عز وجل بعد مفارقة الجسد، فإذا دخل المؤمن في قبره فإنه يفسح له في قبره مد البصر، ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من ريحها وطيبها، ويدخل عليه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، فيستبشر برؤيته، كل شيء يبشر المؤمن في الدنيا والآخرة، يستبشر به فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير، فهو يستبشر بمنظره، فيبشره بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، أنا قيام الليل وصيام النهار، أنا تقوى الله عز وجل، فيقول: رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة، مع أنه في روضة من رياض الجنة، ويلبس من لبسها، ويفرش قبره من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة، إلا أنه عندما يرى النعيم الأكبر في جنة الله عز وجل فإنه لا يصبر على ما هو فيه من النعيم، بل يشتاق إلى النعيم الأكبر، فيقول: رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة، فإذا كان يوم القيامة كثرت المبشرات للمؤمنين، فمن ذلك بياض وجوههم: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:١٠٦].

ومن ذلك: النور الذي يكون بين أيدهم: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحديد:١٢].

ومن ذلك: أنهم يؤتون كتابهم بأيمانهم، ويعلمون أن من أوتي كتابه بيمينه: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق:٨].

والحساب اليسير هو: العرض على الله عز وجل: (ومن نوقش الحساب عذب).

ومن ذلك: أن الملائكة تبشرهم برحمة الله، وتبشرهم بجنة الله عز وجل، فيقولون: هذا يومكم الذين كنتم توعدون، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.

وتزفهم الملائكة إلى جنة الله، وإلى رحمة الله عز وجل، فإذا دخلوا الجنة دخلت عليهم الملائكة من كل باب: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٤]، {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣].

ثم يبشرون بالخلود في جنة الله عز وجل، فليس شيء من نعيم الدنيا والآخرة إلا وقد بشر الله عز وجل به أهل الإيمان والتقوى.

فنحن ننتخب هؤلاء الأتقياء الذين ينافسون على مراكز الآخرة، وينافسون على كراسي من نور، وجوههم نور، وثيابهم نور، يجلسون ينظرون إلى وجه ربهم عز وجل، فتتنضر وجوههم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣].

فالنظر إلى وجه الله عز وجل هو الذي ينضر الوجوه.