للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أخذ الحذر والاحتياط في جميع الأمور والأحوال]

الوقفة الثالثة: التوقع والاحتياط: فالطلبة عندما يذاكرون يستعدون لكل شيء، ويتوقعون أن يأتي السؤال في أي باب من الأبواب، ويتوقعون أن تأتي الأسئلة في غاية الصعوبة، ولا يعيشون على أوهام وأحلام.

فلو أن أحدهم كان يذاكر درساً واحداً ويقول: ستأتي الأسئلة كلها فيه، ويقول: ستأتي الأسئلة كلها سهلة، ويقول: سيعطوننا الدرجات وننجح، فبماذا نصف هذا الطالب؟ سنقول: إنه طالب غبي خائب ومصيره إلى الرسوب.

ولكننا نجد بعض الأحوال في هذه القضية، فقد حصرت الدروس والاختبارات كلها في درس واحد، وفي سؤال واحد أعدت له إجابة واحدة لجميع الأسئلة، وهذا ما نراه في قضية فلسطين اليوم، وفي مشهدها السياسي المعلن العام.

إنهم يقولون: ما هي الحرب؟ ونحن نقول في تعريفها وجوابها: هي السلام، ويقولون: ما هي أدوات المقاومة؟ هل هي الأسلحة والطائرات؟ ويكون

الجواب

هي السلام، ويقولون: ما هي الوسيلة الناجعة لمواجهة تهديم البيوت وقتل الأطفال وتشريد الناس؟ فيكون

الجواب

هي السلام، ونظن أن النتيجة ستكون نجاحاً بامتياز، وهذا حال الطالب الخائب الذي ذكرته، ولا يحتاج الأمر إلى بيان.

ولو أننا نفقه من سيرة نبينا صلى الله عليه وسلم مراجعة الدروس واستحضارها لوجدنا كيف تدرج عليه الصلاة والسلام مع اليهود أنفسهم، فعندما كان غدرهم في أول الأمر في دائرة معينة، وفي اعتداء على امرأة مسلمة، كانت العقوبة والإجابة في حصار وإجلاء مع سلامة الأرواح والأنفس ونقل الأموال والثروات، فلما تكرر الأمر مرة أخرى كان الجواب مختلفاً، كان حصاراً وطرداً وعقاباً مع سلامة الأرواح والأنفس، دون نقل الأموال والثروات، فلما تكرر الأمر في بني قريظة وكانت الخيانة أعظم، كان الحكم الذي وكله النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، يوم أن حكم بأن يقتل الرجال، وأن تسبى النساء والذرية والأموال، فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات)، ولما دعاه النبي أن يحكم في اليهود بحسب طلبهم، وتعيينهم لـ سعد بن معاذ ظناً أنه يراعيهم، ويداهنهم، ويجاملهم؛ لعلاقات سابقة، ومصالح سالفة، فقالها سعد كلمات تدوي في سمع الزمان: (لقد آن لـ سعد ألا تأخذه في الله لومة لائم)، لقد أراد أن يذكر نفسه بأنه لابد أن يقول بالحق، وأن يحكم بالعدل، وأن يأتي بالجواب الصحيح للسؤال المباشر، وأن يجعل العقاب المناسب للفعل الشنيع، فحكم بحكمه الذي ثبته وأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان النبي عليه الصلاة والسلام وفياً بعهده، قائماً بواجبه وبواجب أمته، لكنه كان يمثل قولة عمر رضي الله عنه: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)، فقد أعطى الحقوق، وأوفى بالعهود، فلما وجد الخلل، ولما وجد الطعن في الظهر كانت الإجابات مناسبة، وكانت الأحوال ملائمة، وكانت الاستعدادات والتوقعات والاحتياطات والتحسبات موجودة.

وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين)، فكيف بعشر مرات وعشرين مرة؟! أين ذهبت فطنة المؤمن؟! وأين ذهبت عزة المسلم؟! وأين غيرة صاحب الحق وحميته؟ كل ذلك يطوى فيما نشهده من المشهد العام.