للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مجال العبادة والطاعة]

هذا هو الهدف الأسمى من وجود الإنسان في هذه الحياة، كما نعلم من قول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

والمرأة المسلمة في كثير من أحوالها هي أكثر تعبداً وطاعة لله من الرجل في هذه الأوقات؛ لأن الرجال شغلوا بكثير من الأعمال وتفقد الدنيا، وكثير من النساء ربما كان عندها من الوقت وهدوء البال وقلة الانشغال ما يجعلها أقدر على أن تصرف من وقتها لطاعة ربها، ولذكره سبحانه وتعالى، ودوام التبتل والانقطاع إليه ما لا يتاح لغيرها من الرجال، وهذا ينبغي أن يكون ميدان تنافس بين الرجل والمرأة، لكننا نقول: إن كانت المرأة أكثر وأظهر فهو في الآخر أنفع لنا وأنفع لأبنائنا ولأجيالنا بإذن الله عز وجل، فقد ورد في سنن أبي داود حديث لطيف، يصور لنا هذا التعاون ويصور لنا هذا التنافس بين الرجل والمرأة في طاعة الله، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم في معنى حديثه: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) صورة جميلة رائعة من التعاون والتكامل، أحسب لو أنها طبقت في بعض بيئاتنا فلو أن امرأة قامت تصلي ثم نضحت زوجها بالماء لتوقظه للصلاة ربما قابلها بالويل والثبور وعظائم الأمور وما لا تحمد عقباه.

أمثلة التعاون كثيرة في سير الصحابيات رضوان الله عليهن، أذكر منها القليل اليسير من سير أمهات المؤمنين، ففي الحديث أنه: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً إلى المسجد فرأى حبلاً مدلىً في المسجد فسأل عن هذا الحبل فقالوا: حبل لـ زينب رضي الله عنها تصلي من الليل فإذا تعبت تعلقت به فرد النبي صلى الله عليه وسلم هذا إلى الاعتدال وقال: ليصل أحدكم نشاطه فإذا تعب فليرقد).

وفي رواية أخرى: (فإن الله لا يمل حتى تملوا).

لكن الشاهد هو هذه الصورة العظيمة للعبادة الخاشعة الخاضعة الكثيرة من أم المؤمنين رضي الله عنها، تصلي حتى يبلغ بها التعب مبلغاً لا تستطيع معه القيام فتستعين بحبل تربط نفسها أو تربط يدها به حتى تواصل عبادتها وطاعتها لله عز وجل.

وتُذكر لنا صورة أخرى لبعض أزواجه، وهي جويرية رضي الله عنها عندما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهي قاعدة في مصلاها تسبح الله وتستغفره وتدعو، فمضى النبي صلى الله عليه وسلم لبعض شأنه ثم رجع وإذا بها في محرابها مازالت تذكر الله وتستغفره سبحانه وتعالى، فقال: (أما زلت في مجلسك الذي كنت عليه؟ قالت: نعم يا رسول الله.

قال: فإني قلت بعدك أربع كلمات تعدل ذلك كله: سبحانك -اللهم- وبحمدك عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك) فجمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول، لكن الشاهد الذي أردت الوقوف عليه هو استغلال المرأة وقتها في الطاعة والعبادة، ولست أريد ذكر الصور المقابلة؛ لأنا نريد أن نفردها بالحديث في كل مجال بقدر الاستطاعة.