للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تغلب المعلم على الأمور الإدارية والروتينية]

الأمر الثامن هو: التغلب على الأمور الإدارية والروتينية.

وهذه أشرت إليها سابقاً إشارة عابرة، فكثيراً ما يشكو المدرسون من أن العبء الدراسي الذي عليهم كبير، وأنا أعلم أنه كذلك كبير، فالتعليم في حده الأعلى يبلغ أربعاً وعشرين حصة أسبوعية بالنسبة للمدارس، أي: بمعدل خمس حصص في كل يوم، وأربع حصص في يوم واحد، وهذا عبء كبير ولا شك.

ثم العبء الآخر الذي يشكو منه المدرسون أيضاً هو بعض الأمور التي هي من جانب منها إيجابية، ومن جانب منها سلبية، مثل هذه الاختبارات الشهرية، فهي -لاشك- أساليب لتقويم الطلاب، ولإلزامهم بالمراجعة والدراسة؛ لأنهم لا يراجعون ولا يدرسون غالباً إلا إذا اضطروا إلى ذلك تحت قهر وجبر الاختبارات، وفي الوقت نفسه هي تشكل للمدرس عبئاً هائلاً؛ لأنه قد يكون في كل فصل -مثلاً- عدد الطلاب خمسة وعشرين طالباً، ويكون يدرس خمسة أو ستة فصول، وقد يكون عدد الطلاب حوالي ثلاثمائة طالب، وهذه إحصائيات أحيل المدرسين فيها إلى كتابات الطنطاوي، فإنه أتى بها بالأرقام والتفصيلات بصورة أدبية جميلة، ثم عنده عدد من المواد، وكل طالب في الاختبارات هذه يكتب صفحتين أو ثلاث صفحات، فإذا حسبت هذه الصفحات وحسبت المواد فمتى سيقرؤها؟ وتأتيه إجابات تسد نفسه، فهذا العبء كله إضافة إلى عبء دفتر التحضير وغير ذلك.

أقول: لاشك أن هناك دائماً دراسات أو مطالبات بإعادة النظر دائماً في الأمور المتعلقة بالطريقة التعليمية أو بالمناهج التعليمية وبالأساليب التربوية إلى غير ذلك، لكن أقول: التغيير منوط بالمدرسين أكثر منه بغيرهم؛ لأنهم أكثر عدداً، ولأنهم لو أرادوا لكانوا أقوى صوتاً، ولأنهم أكثر ممارسة، فيمكن أن يقدموا ما قد يصبح الأسلوب الأمثل أو الأفضل في بعض ما قد يرونه يحتاج إلى تقويم.

وفي الشق الآخر في الوقع العملي أقول: لو أراد المدرس أن يخفف هذا العبء فكيف يفعل؟ أولاً: هناك أمور متعلقة بالناحية النفسية والإيمانية، فعندما يستحضر المدرس أنه يؤجر على ذلك ويثاب، وأنه يكتب له بهذه الأعمال على كثرتها حسنات عند الله عز وجل فلا أشك أن هذا مما يخفف العبء عند المعلم المسلم.

ثانياً: عندما يشعر بأنه من خلال هذا يسهم في هذه المهمة العظيمة التربوية التوجيهية لهذا الجيل الذي يريد أن يكون -بإذن الله عز وجل- جيلاً نافعاً صالحاً لهذه الأمة الإسلامية في مستقبلها القريب قبل البعيد فلا شك أن هذا يهون عليه.

وأيضاً هناك أمور فنية نقسمها إلى قسمين: القسم الأول: أمور فنية في الإتقان والتجديد والإبداع، فهذا دفتر التحضير عندما ينظر إليه المدرس يجد أن فيه ما يُسمى بفكرة الدرس والأهداف العامة وطريقة العرض، ولو أنه كان دائماً حريصاً على التجديد والابتكار والاستزادة من كتب أخرى ومن أساليب تربوية جديدة ومن بحوث تنشر أو قضايا تثار حول هذه المعاني لاستطاع دائماً أن يجد أن عنده جديداً يفيد به نفسه، ولا يصبح عمله مكرراً، فإن العمل المكرر أسهل من العمل الجديد، فالعمل الجديد يخرج منه الإنسان بالنشاط؛ لأنه يؤمل فيه شيئاً جديداً، ويرى فيه بعداً جديداً لم يكن في الذي قبله.

القسم الثاني: قسم قد يسميه بعض المدرسين شقاً تحايلياً، وأرى أن كثيراً من المدرسين يلجئون إليه؛ لأنه يخفف العبء بصورة عملية ذكية، وهو طريقة الأسئلة التي يميل إليها الآن كثير من المدرسين خاصة في الاختبارات الدورية، حيث يعتمد على أن لا يتيح للطلاب الفرصة في إكثار الكلام والكتابة، بل السؤال وجوابه، كما يقال: (كلمة ورد غطائها) حتى يخفف عن نفسه العبء، ولكن أيضاً بأسلوب علمي يستطيع أن يكتشف من خلاله الطالب وقدرته.

وأيضاً من الطرائق الجديدة التي يمكن أن يستفيد منها -وهذه أمور جديدة الآن يأخذ بها بعض المدرسين- الاستفادة من التقنيات الحديثة كالكمبيوتر، وقد يرى بعض المدرسين أن هذه أمور صعبة، لكن عندما يكون قد تعلم في هذا الكمبيوتر فإنه يستطيع أن يضع الأسئلة، ويضع الفقرات المنهجية ضمن برامج معينة، ويصحح، ويفعل نحو ذلك في وقت وجيز.

وأيضاً بعض المدرسين يلجئون إلى طرائق تبادلية مع بعض المدرسين في تخفيف هذه الأعباء، وأقول: هذا كله حسن بحيث لا يكون هناك تفريط من المدرس في واجبه، ولا تقصير منه في هذا الواجب؛ لأن المدرس في الوقت نفسه هو قدوة، وهذا واجب عليه من قبل الجهة التي كلفته بهذه المهمة، وهو يفرض على طلابه واجبات، فكيف يريد أن يؤدي الطلاب واجباتهم وهو لا يؤدي واجبه؟! فهذه أيضاً قضية لابد أن يلتفت إليها المدرسون، وعليهم أن يحاولوا قدر الاستطاعة أن يستفيدوا منها، ثم أن يحاولوا أن يفيدوا في المجال التغييري فيما يرون أنه قاصر في العملية التربوية التعليمية.