للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التجديد والابتكار]

الأمر السادس: التجديد والابتكار، فكثيراً ما يكون النظام التعليمي يصبغ المعلم بالتكرار، وأنا أعلم بعض المعاناة عند المدرسين وأسوقها، وأوافق كثيراً منهم في بعض هذا القول، فالمعلم مطلوب منه نظاماً أن يحضر ما يسمى بكراس أو دفتر التحضير، وهذا يراه بعض المدرسين أمراً شكلياً لا قيمة له، وأمراً يفعلونه كما يفعل الطالب الواجب المقرر عليه من المدرس، فكما يراه ثقيلاً يراه المدرس ثقيلاً، وكما سيسأل الطالب عن واجبه يعلم المدرس أنه سيسأل عن دفتر تحضيره، وبالتالي يكتبه متثاقلاً، ثم المطلوب منه في كل عام أن يجدد هذا الكراس، وإن كانت المادة نفسها والمنهج نفسه، ثم أيضاً عنده نظام أن هناك درجات على الأسئلة الشفهية، واختبارات شهرية ونحو ذلك، فهذا الروتين يجعل المدرس أحياناً كالآلة، قد حفظ المنهج حفظاً من كثرة ما ردده، وفي كل مرة وفي كل عام وفي كل فصل وفي كل مادة لا يأتي بأي شيء جديد، ولا يأتي بأي أسلوب يغير الملل عن نفسه هو أولاً ثم عن طلابه ثانياً، ومن هنا نجد النظرة التي أشرت إليها سابقاً، فالمدرس إذا كان على هذا الوصف تجده دائماً مهموماً مغموماً؛ لأنه يكرر كل شيء، والتكرار مع الاستمرار لا شك أنه شيء قاتل، وأمر محطم للمعنويات، بل أحياناً يكون مبلداً للأفكار، فالمدرس عندما يكرر يصبح ليس عنده مجال، أو لا ترى أحياناً فيه مجالاً للإبداع، ولا للابتكار ولا للتغيير، وإنما أصبح كالآلة، المنهج معروف والطريقة معروفة والاختبارات معروفة، والطلاب الكسالى لا أمل فيهم، والمتفوقون لا يحتاجون إلى جهده وشرحه؛ لأنهم سريعون في الفهم ويقرءون ويتوسعون، وهذا يفقد المدرس كثيراً مما ينعش نفسيته، ومما ينفع طلابه، فقضايا التجديد والابتكار أمرها معلوم حتى في منهج النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف كان يلقن الصحابة ويعلمهم؟ أولاً: يتكلم كلاماً بطيئاً لو شاء العادّ أن يحصيه لأحصاه، وكان يكرر القول ثلاثاً حتى يُفهم عنه، وكان مرة يبدؤهم بالسؤال حتى يستثير الأذهان، وأحياناً يبدؤهم بالمعلومة، ويطلب منهم الاستنتاج، وأحياناً يستخدم -كما يقولون- وسائل تعليمية مثل الخطوط أو التشبيهات أو الأمثال، وأحياناً يستغل موقفاً معيناً مع أصحابه ليلفت نظرهم إلى قضية من القضايا التعليمية أو التربوية أو التوجيهية، وأمثلة هذا كثيرة جداً، فلماذا لا يستخدم المدرس هذه الطرائق وهذه الأساليب؟ ولماذا لا يغير أحياناً بعض الأنماط؟ ولماذا لا يجعل هناك أحياناً صورة من صور المشاركة مع الطلاب أو مع بعض الطلاب؟ ولماذا لا يغير أحياناً؟ وإن كان في بعض الأحوال قضايا إدارية أو نظامية تعوقه، ولكن يمكن بقدر الاستطاعة أن يفعل بعض هذه الأمور، بأن يخرج طلابه -مثلاً- من الفصل ليعطيهم الدرس في الهواء الطلق في بعض الأحوال، أو أي صورة من صور التغيير التي تبعث في نفسه الجد والنشاط، وكذلك تبعث في طلابه، وتجعله مدركاً لمهمته وغايته بدلاً من أن يكون مكرراً لنفسه، وهذه قضية أيضاً مهمة جداً.