للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور من الواقع تبعث الأمل في النفس]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! فأوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من التقوى تعظيم الثقة بالله، وعقد الأمل في عطاء الله سبحانه وتعالى، وإن اليأس عند الشدائد -كما قلت- هو الذي يحيط بكثير من أحوال الأمة اليوم، ولنا عبرة فيما سلف من قصص الأنبياء والمرسلين وفي سير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن صور الثبات التي تقع في واقع الأمة اليوم لتبعث الأمل عظيماً، فإننا نرى شدة، وإننا نرى وحشية واعتداءً وبغياً، وكل تحطيم لمعاني الكرامة الإنسانية، ومع ذلك نجد -بحمد الله عز وجل- عند كثير من إخواننا المسلمين المعذبين المضطهدين المظلومين لجوءاً إلى الله عز وجل، وعودة إلى الله سبحانه وتعالى، وانقطعت آمالهم وانقطع رجاؤهم إلا في الله سبحانه وتعالى، وهنا يحصل الأمر الذي ينبغي أن يكون وهو أن يدب اليأس لا إلى المسلمين، وإنما إلى الكافرين، أن يأتيهم اليأس أنه لا أمل في تغيير المسلمين عن إسلامهم، ولا في نزع إيمانهم، ولا في تغيير صلتهم بالله وارتباطهم، ولا في تقطع أواصرهم، فعندما ابتلي المسلمون في البوسنة أو في كشمير أو أي مكان ماذا كان قولهم؟ دعاء لله، ثم اتصال بإخوانهم المسلمين، هكذا كان الأمر، ولذلك يقول الله جل وعلا: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:٣]، ما معنى هذه الآية؟ قال ابن كثير في تفسيره: أي: أن المشركين قد يئسوا أن يرجع أهل الإسلام عن إسلامهم، في أول الأمر كانت قريش تغري بالأموال، ثم بعد ذلك صارت تلهب بالسياط، ثم بعد ذلك صارت تضيق بالحصار، كل ذلك أملاً في الارتداد، وفي أن يرجع المسلمون إلى كفرهم وشركهم.

لما فشلت كل هذه المحاولات دب اليأس في قلوب الأعداء أنه لا أمل فيمن خالط الإيمان قلبه، لا أمل فيمن سجد لله سجدة إذا ثبت بإذن الله عز وجل على إيمانه، ورسخ بقدمه على طريق رضوان الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي أن يكون، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك في معنى آخر عندما قال: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم).

وهذا الأمر ينبغي أن يكون عندنا شيء كبير من الأمل، وينبغي لك أخي المسلم ألا تكون موصوفاً باليأس؛ لأنه صفة أهل الكفر كما قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [العنكبوت:٢٣].

ينبغي لك ألا تكون كحال الإنسان إذا كان مجرداً عن الإيمان مما أخبرنا به الله عز وجل في القرآن عندما قال جل وعلا: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود:٩ - ١٠]: قال ابن كثير في تفسيره عن حال هذا الإنسان بلا إيمان: إذا وقعت له شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة للمستقبل، وكفر وجحود بالنسبة لماضي الحال، كأنه لم ير خيراً من قبل قط، وحال الإنسان كما قال الله جل وعلا: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت:٤٩]، يدعو الله بالمال وبالأولاد وبسعة الرزق، ويعطيه الله عز وجل ما قدره سبحانه وتعالى، فإذا أخذ منه بعض نعمه إذا هو يئوس قنوط.

ينبغي ألا يكون هذا حال المسلم، ينبغي أن تكون أخي المسلم راضياً بالقضاء، شاكراً على النعماء، صابراً على الضراء، مواظباً على الدعاء، مؤملاً في الله سبحانه وتعالى في الشدة والرخاء، ينبغي أن تكون دائم الصلة بالله عز وجل، وإن الفجر بعد الليل لا بد أن يطلع، وإن النور بعد الظلام لابد أن يسطع، حقيقة كونية لا شك فيها.

وانظر إلى قصة يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام، بعد أن ذهب يوسف ومرت به سنوات لا يعرفون له خبراً، ولا يأتيهم عنه ذكر من قريب ولا بعيد، ثم بعد ذلك يأتي ابنه الثاني ويقبض عليه العزيز في قصة السرقة المعروفة، ثم يرجع الأبناء وقد يئسوا، فيقول يعقوب عليه السلام: {يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:٨٧]، قبل ذلك قالوا له: (تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف:٨٥ - ٨٦]، بث شكواك إلى الله، وأصغ بما حل بك إلى الله، واترك الأمر لله، فإن الله جاعل لكل أمر ولكل ضيق مخرجاً بإذنه سبحانه وتعالى، ولكن الآمال كما أشرت تحتاج إلى الأعمال، ولا بد أن نعرف أن العاقبة للمتقين: أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد فأطلق لروحك إشراقها ترى الفجر يرمقنا من جديد فالله الله في الأمل في الله، والله الله في الرجاء في الله، والله الله في الأعمال من التوبة والاستغفار، ومن التضرع والدعاء، ومن البذل والسخاء، ومن العمل لكل ما يحبه الله ويرضاه، والعمل لكل ما من شأنه رفعة هذه الأمة، ونصرة هذا الدين، حتى يعود العز المفقود، والوحدة الضائعة، والقوة المبددة، وما ذلك على الله بعزيز، وقد نصر الله عز وجل أهل الإيمان، ووعده قائم: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:٧]، وقاعدته التي جعلها بشرى لأهل الإيمان قاعدة مطردة لا تتخلف: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:٣٨]، ولكنه جعل لذلك شروطاً وجعل له قواعد وسنناً: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].

اللهم إنا نسألك أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، اللهم اجعلنا من العاملين بالطاعات، والمبتعدين عن المعاصي والسيئات، والمسارعين إلى الخيرات، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك أن توفقنا لما تحب وترضى، وأن تصرف عنا ما لا تحب وترضى، اللهم إنا نسأل الثقة بك، والتوكل عليك، والإنابة إليك، والرجاء فيك، والخوف منك، والإخلاص لك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعلنا أغنى الأغنياء بك، وأفقر الفقراء إليك، وأغننا بفضلك عمن أغنيته عنا، ولا تجعل لنا إلى سواك حاجة يا رب العالمين! اللهم قد تبرأنا من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوتك يا رب العالمين! اللهم فأمدنا بالإيمان واليقين، اللهم وأمدنا بالعمل لهذا الدين، اللهم ووفقنا لنصرة إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تحسن ختامنا، وأن تثبت على طريق الحق أقدامنا، وأن تجعل الجنة مأوانا ومتقلبنا يا رب العالمين! اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم إنا نسألك أن تجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جندك المجاهدين، ومن ورثة جنة النعيم، اللهم عجل فرجنا، وقرب نصرنا، ونفس كربنا، اللهم اغفر سيآتنا، وامح زلاتنا، وأقل عثراتنا، وتقبل حسناتنا، وارفع درجاتنا، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! اللهم رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى، اللهم رحمتك بالصبية اليتامى، والنسوة الثكالى، والشيوخ الركع، والأطفال الرضع، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم خائفون فأمنهم، اللهم إنهم مشردون فسكنهم، اللهم رضهم بالقضاء، وصبرهم على البلاء، اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، اللهم رد كيد أعدائهم في نحورهم، واجعل تدبير أعدائهم تدميراً عليهم يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر الجلي، والمقام العلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.