للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب التثبت في الأقوال ونقل الأخبار]

الظن يقع في مجال ثالث هو من أكثر المجالات التي يقع فيها الاضطراب في مجتمع المسلمين اليوم، في واقع الأخبار تلقياً ونقلاً.

ما هو منهجك -أيها المسلم- في هذا الأمر المهم؟ كيف تتلقى الأخبار؟ وكيف تعرف الوقائع؟ هل أنت ممن يأخذون بالظنون، ويقبلون الأقوال دون بينة أو حجة؟ أين أنت من المنهج القرآني والمسلك النبوي؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:٦].

والنبي صلى الله عليه وسلم في موقف عصيب وشديد يرفع لنا هذا الشعار لئلا نأخذ أي خبر دون تمحيص، ودون اختبار ودون تحقق ولو كان المخبر لنا ممن نحسن به ظناً، فلابد أن يكون عندنا ذلك المنهج في التروي والتثبت والتحقق، يأتي أحد الصحابة وقد رأى أمراً فظيعاً هائلاً خطيراً، وقد رأى مع زوجته رجلاً، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد غلا الدم في عروقه وانتفخت أوداجه من شدة الغضب، يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا وكذا، فيقول له النبي عليه الصلاة والسلام: (البينة أو حد في ظهرك).

إن هذا أمر عظيم! إنها تهمة خطيرة! لابد من الدليل الذي لا ينزل عن مرتبة اليقين حسبما ثبت في الشرع من لزوم أربعة شهود في مثل هذا الأمر، فإن الأمور لا تلقى على عواهنها، وإن الأقوال لا تطلق حسب ما تطلقها ألسنة القائلين بها؛ لأننا نحن أهل إيمان أهل برهان أهل دليل لا يمكن أن نقبل أي قول وخاصة إن جاءت هذه الأقوال من المجروحين أو المنكرين أو غير المعروفين بالصلاح والاستقامة، أو تلقفتها الآذان من إذاعات شرقية أو غربية لا تدين بدين الإسلام، بل قد يكون عندها مكر به وإرادة سوء بأهله، فينبغي أن يكون هذا دأبنا وهذا نهجنا.

ثم في نقل الأخبار يأتينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)، ما بال الألسنة لاغية؟ ما بالها لا تسمع خبراً حتى تذيعه في كل مكان، وحتى تنطق به في كل مجلس قبل أن تتثبت منه، وقبل أن تنظر بعد التثبت إلى آثاره الإيجابية والسلبية؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في الأدب المفرد: (بئس مطية الرجل زعموا).

كثيراً ما تسمع قولاً فتسأل قائله: هل رأيت بأم عينيك؟ هل سمعت بأذنيك؟ هل حضرت بنفسك؟ فيقول: كلا، بل قالوا أو زعموا أو أخبروني من أولئك القوم؟ إننا لا نريد هذا المنهج الذي سرت بسببه كثير من الفتن، وكثير من صور الإرجاف في مجتمع المسلمين، والله جل وعلا قد بين لنا أن هذا الاستناد باطل: {أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ} [الصافات:١٥١ - ١٥٢]، يقولون ويقولون ويقولون، يقصون ويقصون ويقصون، يزعمون ويذيعون، لا يعنينا من ذلك إلا ما دل الدليل عليه أو ما احتفت به القرائن.