للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين أهل اليقين وأهل الظن والأوهام في المحن]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من التقوى حسن الظن بالمسلم.

وقد ذكرت لك أخي المسلم! ما ينبغي أن تكون عليه من اليقين وترك الظن في شأن الاعتقاد والعبادة، وتلقي الأخبار ونقلها، ومعاملة إخوانك المسلمين، وهأنذا أقف وقفة مع بعض الأمثلة القرآنية التي تنبئنا عن العاقبة الوخيمة التي يبلغها الإنسان إذا لم يأخذ باليقين الذي جاء عن رب العالمين، ونرى في ذلك مواقف أهل اليقين، ومواقف أهل الظن والشك والريبة.

ذكر الله سبحانه وتعالى حال المسلمين في يوم الأحزاب وما أدراك ما يوم الأحزاب؟ يوم اجتمع فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته شدة الجوع مع شدة الخوف مع شدة البرد: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:١٠ - ١١]، في المواقف العصيبة الرهيبة: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:١٢].

أولئك أهل الشك والريبة، أولئك أهل الفتنة والنفاق قالوا: {مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:١٢]، أما أهل اليقين: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢]، رأوا الجموع تنقض عليهم من كل جانب، وتحيط بهم إحاطة السوار بالمعصم، لكن ما اضطرب يقينهم، ولا ضعفت في الله ثقتهم، ولا حارت في المنهج أفكارهم، بل كانوا على يقين راسخ وزادهم البلاء يقيناً.

وانظر إلى موقف آخر في قصة قارون الذي كان من قوله: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي} [القصص:٧٨].

ويصور لنا القرآن الحالة التي انقسم فيها الناس إلى فريقين، يقول جل وعلا: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص:٧٩]، بهذه الأبهة الدنيوية، والعظمة البشرية، والقوة الإنسانية، فإذا بالضعاف في يقينهم، المختلطين في عقولهم، المشدودين إلى الأرض، المرتبطين بالشهوات؛ يقولون: {يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:٧٩]، لم يلتفتوا إلى كفره وجحوده، لم يلتفتوا إلى فسقه وفجوره، ولكنهم التفتوا إلى دنياه إلى عظمته الموهومة إلى بهرجه الزائف.

أما أهل الإيمان: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:٨٠]، أولئك قوم يجعلهم يقينهم ينظرون إلى ما وراء الأحداث، ينظرون إلى ما وراء الصور الظاهرة، قوم قالوا: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص:٨٠]، اثبت على إيمانك وابق على يقينك فإن من وراء ذلك أجراً، وإن من وراء ذلك خيراً.

وهكذا تمضي الأمثلة القرآنية الكثيرة، ومنها مثال أختم به في هذا المقام من أمثلة الاستكبار التي ينجرف إليها أحياناً مجتمع كامل من المجتمعات، يقص الله علينا ذلك في قوله جل وعلا: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} [يونس:٢٤]، هكذا يبين الله عز وجل أن الذين يركنون إلى الدنيا وأسبابها المادية ظنوا أنهم قادرون عليها وعلى حصادها وعلى خيرها، فجاءهم الأمر من الله عز وجل لما شكوا في قدرته، ولما نسوا أقداره وحكمته، وهكذا يقع لصاحب الظن السيئ ما يحل به مما يقدره الله من البلاء.

فينبغي أخي المسلم أن تعرف موقفك الحق بين الظن واليقين، فلا ترض أن تكون من أهل الضعف أو أهل الشك أو أهل الظنون والرجم بالغيب، وكن من أهل اليقين.

أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا من أهل الإيمان واليقين، وأن يجعلنا من الثابتين على هذا الدين، وأن يجعلنا من الدعاة إليه وإلى دينه سبحانه وتعالى.

اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء عافية.

اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، ولا تخزنا اللهم على رءوس الأشهاد، اللهم إنا نسألك أن تحسن ختامنا، وأن تجعل خير أعمارنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راض عنا، اللهم لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، واغفر لنا إنك رءوف رحيم، اللهم إنا نسألك لقلوبنا الصفاء والنقاء، ولأبداننا الصحة والعافية، ولأعمالنا القبول ومضاعفة الأجر والثواب.

اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، وأن تكفر عنا سيئاتنا، وأن تضاعف لنا حسناتنا، وأن ترفع لنا درجاتنا، وأن تقيل يا ربنا عثراتنا.

اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جندك المجاهدين، ومن ورثة جنة النعيم، اللهم اجعلنا من الدعاة العاملين، واجعلنا من العاملين المخلصين، واجعلنا من المخلصين المقبولين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك وعظيم سطوتك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم نكس راياتهم، وأذل أعناقهم، وسود وجوههم، اللهم استأصل شأفتهم، ودمر قوتهم، وفرق كلمتهم، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار! يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يا من أمره بين الكاف والنون! اللهم إنا نسألك رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المعذبين في كل مكان يا رب العالمين؛ اللهم رحمتك بالأطفال الرضع، والشيوخ الركع، والنسوة الثكالى، والصبية اليتامى، اللهم عجل فرجهم، وفرج كربهم، اللهم ارزقهم الصبر واليقين، اللهم ارزقهم الصبر على البلاء، والرضا بالقضاء، اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم اجعل عمل ولاتنا في رضاك، اللهم ووفقهم لهداك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اصرف عنا الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.