للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! أنموذج نتلمس فيه كل ما قلناه من تلك المعاني، أنموذج في فريضة الصلاة التي افترضها الله عز وجل علينا في كل يوم خمس مرات، لنرى كيف يمكن أن تكون هذه الصلاة هي سعادة دنيانا، ونجاة أخرانا، وراحة نفوسنا، وطمأنينة قلوبنا، وانشراح صدورنا، وهدوء بالنا، ولذة حياتنا، وسعادة أفراحنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٣] كلما ادلهمت الخطوب، وعظمت الرزايا، فلنفعل ما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، (كان إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة) ألق فيها همك، واطرح فيها بين يدي ربك شكواك، وارفع إليه مناجاتك، وتضرع إليه، فإن ذلك يحقق لك كل طمأنينة وسكينة، وتأملوا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يوجز الدنيا ومتاعها، ويجعل الكفة الراجحة في سعادة القلب والنفس في هذه الصلاة: (حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، تلك من متاع الدنيا، لكن قرة العين وهي منتهى السعادة، وغاية اللذة، وقمة السرور، وأقصى ما يجد الإنسان فيه راحته وسعادته، قال عليه الصلاة والسلام: (في الصلاة تلقي همك، وتبث شكواك إلى ربك ومولاك) فأي شيء من هم يبقى بعد ذلك؟! وكان عليه الصلاة والسلام ينادي بلالاً فيقول: (أرحنا بها يا بلال! أرحنا بها يا بلال!) راحة من كل تعب، وهدوء من كل صخب، وسعادةٌ من كل شقاء نجدها في تعليق القلوب إلى الله، وسجود الجباه لعظمته سبحانه وتعالى، وتسبيح الألسنة له، وذكرها له سبحانه وتعالى، ونرى ذلك واضحاً فيما بينته سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كيف نزيل الكدر والهم والغم؟ كيف نطهر الأبدان والأرواح؟ (أرأيتم لو أن نهراً غمراً يجري بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، يا رسول الله! قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) ويمحو كذلك سبحانه وتعالى كدر النفوس، وهم القلوب، وضيق الصدور بإذنه جل وعلا، وكذلك نجد ذلك في السير والأحاديث والنصوص، وحسبنا في ذلك أن نذكر الحديث العظيم الذي أخبر فيه نبينا صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلال أنه قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله جل وعلا: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله جل وعلا: مجدني عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: حمدني عبدي وذلك بيني وبينه، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

تأمل أنت العبد الفقير الحقير إذا وقفت بين يدي الله كل كلمة تتلوها من آياته يرد بها عليك، إذا وقفت بين يدي الله في مقام الصلاة والمناجاة فإن الله يرى مقامك، ويسمع مناجاتك، ويرد على تلاوة آياتك، فأي شيء أعظم من ذلك!، وأي مقام أرفع من هذا! تأمل هذا واعلم أن هذا أنموذج فحسب، وإلا ففي الذكر فسحة واسعة، وفي الدعاء لذة غامرة، وفي الإحسان إلى الخلق سور عظيم، وفي كل طاعة من طاعات الله عز وجل ما تسكن به النفوس وتسعد.

نسأل الله عز وجل أن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يبصرنا بعيوب أنفسنا، اللهم زك نفوسنا، وطهر قلوبنا، واشرح صدورنا، وأنر بصائرنا، واهد عقولنا، وثبت أقدامنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، اللهم اجعل طاعتك أحب إلينا من دنيانا، اللهم اجعل ذكرك أحب إلينا من أهلنا وأولادنا، اللهم اجعلنا مقبلين على طاعتك، متلذذين بمناجاتك، اشرح اللهم بها صدورنا، وطمئن بها قلوبنا، اللهم علق قلوبنا بطاعتك ومرضاتك، لا تجعل لنا في الدنيا قصداً إلا إليك، ولا رغبةً إلا فيما عندك، ولا رهبة إلا من عذابك، نسألك اللهم أن تجعلنا منيبين إليك، متوكلين عليك، خائفين منك، راجين فيك، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك المخلصين، وأن تكتبنا في جندك المجاهدين، وأن تجعلنا من ورثة جنة النعيم، اللهم إنا نسألك أن تستخدمنا في طاعتك، وأن تسخر جوارحنا في مرضاتك، وأن تجعلنا ستاراً لقدرك في نصر الإسلام والمسلمين يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن تحسن ختامهم، وترفع في الآخرة مقامهم برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا ومثوانا ومنقلبنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، احصهم اللهم عدداً، واقتلهم بدداً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، وعظيم سطوتك، اللهم اجعل الخلف في صفوفهم، اللهم رد كيدهم في نحرهم، وأشغلهم بأنفسهم، واجعل بأسهم بينهم، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، واشف فيهم صدور قومٍ مؤمنين عاجلاً غير آجل يا رب العالمين! اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وتجبروا وتكبروا وأذلوا عبادك المؤمنين وانتهكوا حرمات المسلمين، اللهم عليك بهم أجمعين يا قوي يا عزيز يا متين! اللهم رحمتك ولطفك بعبادك المؤمنين المضطهدين والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى في كل مكان يا رب العالمين! اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، وفرج همهم، ونفس كربهم، وعجل فرجهم، وقرب نصرهم، وادحر عدوهم، وزد إيمانهم وعظم يقينهم يا رب العالمين! واجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم انصر عبادك وجندك المجاهدين في أرض فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين! عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦] وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي، أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، واجعلنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين! وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.