للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التدرج في بعث الهمم]

السؤال

لا يخفى ما عليه بعض الناس أو أكثرهم من ضعف الهمم وخور النفوس في هذه الأعصر عن أن تصل إلى هذه القمم -إلا من رحم الله- فهل من تدرج مناسب نحث به نفوسنا الضعيفة شيئاً فشيئاً حتى تبقى على الطريق القويم؟

الجواب

لا شك أن المنهج في هذا مهم، وإن كان حديثنا لم يتعرض له؛ لأننا أردنا فقط أن نقف هذه المواقف ونستجلي هذه السير، ونخوض في هذه الميادين؛ حتى نهيج النفوس؛ ونبعث العزم -بإذن الله عز وجل- وإلا فإن الإنسان بالفعل يحتاج إلى شيء من التدرج، ويستعين ببعض الأمور، منها: أولاً: صدق الإخلاص لله سبحانه وتعالى، وحسن الصلة به جل وعلا.

وثانياً: لزوم الطاعات والبعد عن المعاصي والمنكرات؛ لأنها ظلمة للقلب، وحاجب عن التوفيق، ومانع من المضي في طريق مرضاة الله سبحانه وتعالى.

وثالثاً: استشارة الخبراء والعلماء وأهل الإيمان والتقوى والورع، وطلب الموعظة منهم، وطلب الرأي السديد منهم.

ورابعاً: مجالسة الصالحين والأخيار والعلماء ومن يتداولون هذه السير؛ حتى يسمع الإنسان منهم دائماً ما يحرك عزمه ويقوي همته في طاعة الله سبحانه وتعالى.

وخامساً: الحزم لحفظ الوقت وعدم تضييعه، وترك المجاملات التي تضيع الأوقات قدر الاستطاعة، وهذا لابد فيه من نوع من الجد والصرامة والتحفظ والاحتياط والاحتراز؛ لأن مراعاة الناس ومجاملاتهم تذهب الأوقات وتضيع كثيراً من الأعمال والمنجزات، فينبغي للإنسان أن يحرص على هذا.

وسادساً: أن يكثر الإنسان من قراءة سير العلماء والأئمة، من مثل هذه السير التي عرجنا على بعض منها، وهي نزر يسير من بحر كثير، متلاطم الأمواج كما أشرنا، فلو قرأ في سير أعلام النبلاء، أو تهذيبه، أو صفة الصفوة، ونحو ذلك من الكتب التي فيها تراجم للصحابة والتابعين وبعض العلماء والأئمة، وقرأ في صفحات التاريخ فإن هذا مما يقوي العزم، ويشد الهمة بإذن الله عز وجل.

وسابعاً: أن يكثر من الدعاء لله سبحانه وتعالى في أن يثبته ويعينه على مثل هذه الأمور، ولا شك أيضاً أن التدرج مطلوب سواءً في الناحية العلمية أو العملية، أي في ناحية تفصيل العلوم وحفظها، وفي ناحية العبادات والأخذ بها؛ حتى يكون الإنسان في الوسط بإذن الله عز وجل.

ومما أحببت أن أشير إليه مما يضيع الأوقات ويضعف الهمم، والقضية التي يضيع فيها وقت كثير من الناس في متابعات صحفية أو إذاعية، في أمور ليست من الأمور التي تعود على الإنسان بالنفع والفائدة في علمه أو إيمانه أو معرفة واقعه، وإنما هي في اللهو أو الترف أو نحو ذلك، فينبغي للإنسان أن ينتبه لمثل هذه الأمور التي تضيع وقته.

وهنا بالنسبة لحفظ القرآن وطلب العلم ليس هذا مقامه، وموضوعنا الذي طرقناه إنما هو للتذكرة والعظة، وليس هو موضوعاً علمياً، إنما أحببنا فيه أن نجول هذه الجولة في هذه الرياض النضرة، والأجواء العطرة لعلنا أن نقتبس ونأخذ منها ما ينفعنا -إن شاء الله عز وجل- ويقوي عزائمنا، ومن علم فالعلم حجة عليه، ومن علم كان حجة على من لم يعلم أن يبلغه وأن ينشر ذلك بنفسه، وفي إخوانه وأبنائه وخاصةً صغار السن متى تلقوا في مقتبل عمرهم هذه السير وتهيأت لهم الظروف المناسبة؛ لكي يقرءوا ويحفظوا ويجدوا ويعملوا ويتربوا على الطاعة والعبادة، فإنه يرجى أن يكون عندهم ما ليس عند آبائهم الذين قد فاتهم من الوقت، وفاتهم من الظروف المناسبة ما أقعدهم عن مثل هذه القمم، فنسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للهدى والتقى والخير والصلاح، وأن يأخذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وأن يلهمنا الرشد والصواب.