للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إقامة الحجة والبرهان على خطر القنوات من الواقع ومن أقلام المختصين في ذلك]

قبل أن نسترسل في الحديث أنبه أن حديثي سيكون بغير اللغة المعتادة من ذكر للأدلة من الكتاب والسنة؛ لأننا في هذا العصر نجد أن قول الخطباء، وأحاديث الدعاة، بل وربما فتاوى العلماء عند كثير من المتصدرين في وسائل الإعلام ليست مقبولة، بل هي ضرب من التشنج والتوتر، ولون من التشدد والتطرف، وصورة من صور الكبت والانغلاق، وقول يشتمل على الأوهام والاختلاق، ولذلك أعتذر عن مواصلة حديثي؛ لأنه قد يجرم عند أولئك القوم الذين تدثروا اليوم بدثار، وتكلموا بلسان لم نعد نفرق بينه وبين ما يقوله أعداؤنا الذين نعرف عداوتهم صريحة جلية واضحة.

ولذلك أرجو أن أُعذَر، فإني سأنتقل إلى موجة إعلامية، وإلى لغة تخصصية، وإلى أرقام إحصائية، وإلى حوادث واقعية، وهذه المذكورات لن تنطق لنا بالآيات القرآنية، ولن تروي لنا الأحاديث النبوية، ولن تنقل لنا الأقوال والنصوص العلمية، مع أن مثل هذا يكون للمكابرين والمغالطين، بل ولمروجي الفسق والمفسدين قولاً تقوم به الحجة عندهم إذا لم تقم -عياذاً بالله- بآيات القرآن وأحاديث المصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم، ولعلها تكون ذات مصداقية في ثبوتها وقوتها أبلغ وأكثر مما لا يعترفون به من مصداقيات ما ذكرته الآيات في دلالات الواقع والمستقبل، وما بينته أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم من أحوال وأخبار آخر الزمان.

سأترك حديثي ليتكلم الإعلاميون المتخصصون الأكاديميون، الذين هم أصحاب قول فصيح في مثل هذه المسألة، وليتحدث المتخصصون في مجالات العلوم الاجتماعية والنفسية، فإنهم بهذا أخبر منا معاشر المشايخ، أو الدعاة، أو طلبة العلم، وإن قولهم في مثل هذا لا يُرجس عليه بمثل ما يرجس على أقوال أمثالنا.

لقد عقد مؤتمر في عاصمة عربية كبرى، وفي جامعة إن لم تكن أعرق الجامعات العربية فهي من أعرقها، وفي كلية إعلامها على وجه الخصوص، تحت عنوان: (الإعلام المعاصر والهوية الوطنية)، وأصحاب هذا المؤتمر لا يتحدثون عن إسلام وإيمان حتى نتهمهم بالتطرف والإرهاب وغير ذلك كما هي التهمة الجاهزة على طرف الألسنة وأسنة الأقلام اليوم، إنهم قوم لم يذكروا لنا شيئاً مما نسمعه في الخطب والمواعظ، فسأنتقل إليهم لأستعرض شيئاً يسيراً من خلاصات هذه البحوث، وهي دراسة تطبيقية ميدانية قدمت في أحد هذه البحوث، وقد أجريت على مائة أغنية شبابية.

تقول هذه الإحصائية: إن مجموع اللقطات في هذه الأغنيات -وهي الأغنيات التي يحتشد فيها الراقصون والراقصات، والفتيات المغريات كما هو معلوم مما يشاهد، أو يقرأ عن هذه الأغاني- سبعة آلاف وخمسمائة وثلاثة وسبعون لقطة تصويرية، هكذا عددها عند علماء الإعلام والمحللين فيما هو مرصود إعلامياً، حتى لا يقال: إن الخطيب الذي يخطب يتكلم بما لا يعرف؛ لأنه لا يشاهد هذا فأنى له أن يصفه؟! وتقول هذه الدراسة -أيضاً-: إن هناك من بين هذه اللقطات ستة وخمسين وألفي مشهد راقص، وألفاً وأربعمائة وتسع لقطات لمناطق مثيرة، واجعل تحت هذه الأرقام خطوطاً، وافهم منها ما شئت، ثم إن أربعمائة وألفي لقطة قريبة من مناطق مثيرة، وستاً وأربعين ومائة لقطة تلامس، وستاً وعشرين ومائة لقطة عناق، ولست أدري أين مكان الغناء في الإعراب من هذه الحشود المتكاثرة والآلاف المتتابعة من اللقطات؟! وهناك دراسة أخرى لباحث إعلامي متخصص يقول: إنه قام بتحليل أربع وستين وثلاثمائة أغنية، أي أنه سمعها وشاهدها، وليس هو مثلنا في عدم سماع هذه الأمور ومشاهدتها، فبماذا خرج؟ قال: بلغت نسبة اللقطات المثيرة سبعاً وسبعين في المائة، ثم فصلها؛ لأنه باحث علمي، وليس داعية درويشاً كما يقول بعضهم، يقول في هذا التحليل: إن الرقص والحركات كانت نسبتها واحداً وخمسين في المائة، وإن الملابس -أي: جانب الإثارة فيها- كانت نسبتها اثنين وعشرين في المائة، والألفاظ عشرة في المائة، وفكرة الأغنية خمسة في المائة فقط، ليس هذا قولاً نرجم به نحن أو غيرنا ممن قد يتهمون في مقالاتهم.

وهناك عينة أخرى درسها الباحث ليرى عن أي بيئة تعبر، وأي سلوك تنقله إلينا، فأفادنا أن هذه الأغنيات تعكس البيئة الغربية بنسبة سبعين في المائة، والبيئة العربية بنسبة ثلاثين في المائة، والمراد بالعربية هنا غير الإسلامية، فهي عند بعض أولئك الباحثين لا تدخل في الاختلاط، ولا تدخل فيما هو معلوم أنه محرم ونصت عليه النصوص الشرعية.