للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاقتناع بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في إثبات الأحكام]

إن ما استعرته من أقوال هؤلاء القوم ليس هو المنهج الصحيح، فلسنا في حاجة إلى كل هذا لنقتنع، نحن قوم مصدر إيماننا، وقوة يقيننا تجعلنا ندرك الحقائق من الآيات، ونعرف النتائج من الأحاديث، نحن قوم نعلم أن الله خالقنا قال: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤]، وقد بينت لنا آياته أحكام النظر، وأحكام السمع، وأحكام غير ذلك، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما روى البخاري من حديث أبي هريرة:- (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وعند الترمذي: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وفي حديث أبي هريرة المشهور: (إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، فالعينان تزنيان وزناهما النظر) إلى آخر الحديث، فعندما يقول: (العينان تزنيان) فنحن نؤمن بهذا، ولا ننتظر هذه الإحصاءات ولا هذه الأرقام، فأنبه على هذا؛ لئلا نقول في كل مسألة: هل أثبتت العلوم أو أثبتت الوقائع ضررها؟ فيكفينا أن ذلك ثبت في النص الشرعي، وإلا فإذا استسلمنا لهذا فكأننا لا نسلم بما ورد في القرآن والسنة، وكأننا لا نعظم ولا نقدر ما قاله المفسرون والمحدثون والفقهاء والعلماء في مثل هذه الأمور كلها في سالف الأزمان وحاضرها.

أقول هذا لأنه ينبغي لنا أن ندرك أن توجيه عقولنا وأن طمأنينة نفوسنا إنما هي في قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم والربط بالواقع لا بأس به، والاستنباط منهما لتنزيل ذلك على الواقع هو المطلوب والمنشود، ولكننا قلنا هذا القول؛ ليكون حجة على الذين فقدوا هذه البوصلة الموجهة، وهذا النهج الذي تربى عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا بمجرد الأمر يمتثلون قبل معرفة الحكمة، أو السؤال عن الغاية، بل لزموا المبادرة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:٢٤]، وقد أمر الله عز وجل بذلك فقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦]، فلا يصح أن يكون في الأمر حكم لله تعالى وحكم لرسوله صلى الله عليه وسلم، ثم نأتي في مقابله ونسأل: ما رأيك في هذا؟! وكأن دين الله ليس له وجود وليست له قيمة.

إن هذه القضية خطيرة، وهي أعظم من هذه الانحرافات الخلقية والسلوكية التي أشرت إليها، وإن تهوين أمر الدين في النفوس وانتقاص عظمة النصوص من القلوب لهو أخطر من هذا الذي ذكرناه.

فلابد من أن ندرك هذا، وكل ما يضاف إليه إنما هو تأكيد لصحته، وإنما هو فرع عن ذلك الأصل.