للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور ومواقف من العزة والإباء]

الحمد لله حمداً يليق بجلاله، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أسمع به آذاناً صماً، وفتح به قلوباً غلفاً، وكثر به من بعد قلة، وأعز به من ذلة، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، فجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم واقتفى أثرهم ونهج نهجهم إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١] أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون: روح العطاء والإباء قضية ينبغي أن نبثها في القلوب، وأن نشعل نارها في النفوس، سيما وقد تحدثنا في الجمعتين الماضيتين عن أمور من التقصير والتفريط أوصلت إلى اعتداءات عظيمة على الأمة ومقدساتها، وأسلفت القول أن من أسباب ذلك أسباباً تتصل بتقصيرنا وبتفريطنا، ولعل ذلك كان له وقع شديد على النفوس.

ومن هنا رأيت اليوم أن نجول في قصص متنوعة وأخبار متفرقة، يجمعها أنها كانت تبذل لدين الله وتعطي لدعوة الله، وتسخر كل ما بين أيديها ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى، ومواقف أخرى نرى فيها صلابة المواقف وثبات الأقدام وقوة الجنان في مواجهة كل ما قد يكون فيه امتهان للدين أو استحقار لقدر أهله، أو امتهان لدعوته، أو أي صورة لا يقبلها مسلم غيور أو مؤمن أبي، ولست في هذه القصص معتبراً لتاريخ متسلسل ولا لرابط معين، وإنما هي مواقف متنوعة، أحسب أن في تنوعها ما قد يربطنا بها، ويجعل لنا جميعاً حظاً منها، إذ لو قصصنا قصصاً عن العلماء فقد يقول كثير منا: نحن لسنا من العلماء، وإن قصصنا أخبار الأمراء فقد يقول كثير منا: نحن لسنا منهم، لكننا سننوع حتى يرى كل أحد منا أنه ينبغي أن يترجم حبه لدينه وغيرته عليه إلى صور من صور العطاء والإباء تبقي هذا الدين شامخاً عزيزاً، عالية رايته، خفاقة بنوده، لا يستطيع أحد مهما بلغ من قوته وجبروته وغطرسته وكبريائه أن ينال منه أو من أهله وأتباعه.