للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مهندس مسلم يفرغ نفسه لتصحيح صورة الإسلام في الغرب]

وأنتقل إلى صورة أخرى بعيدة في زمانها ومكانها، وفي طبيعتها وشأنها، إنها صورة مهندس مسلم أحسب بل أكاد أجزم أن أحداً منا لا يعرف عنه شيئاً.

عاش في دولة أوروبية في أوائل القرن الماضي، وأسس مجلة سماها: (بريد الإسلام) عام (١٩٢٩م)، وفرغ نفسه لتصحيح صورة الإسلام في بلاد الغرب، ومراسلة القوم مراسلة متصلة أفضت في جملة جهوده إلى أن أسلم على يده نحو أربعة آلاف نفس.

كان في بعض طرقات تلك البلد لوحات صغيرة تعلق، مكتوب عليها: لقد عرفت خطأً عن الإسلام، فإذا أردت أن تعرف الحقيقة فراسل هذا العنوان، فستأتيك الكتب والتعريفات، فتأتيه المراسلات ويراسل ويرد ويجيب ويعيد ويزيد، حتى يكون من ذلك إما إسلام، وإما معرفة حقة للإسلام وبعد عن الصورة المغلوطة والحقد الأسود.

وفي تجربته حصل أن بعض المراسلات استمرت سبعة عشر عاماً، أخبر فيها: أن رجلاً من تشيكوسلوفاكيا كان يراسله على مدى سبعة عشر عاماً، ثم زاره بعدها، وعندما لقيه قال له: إن لي عندك مفاجأة، فقال: وما هي؟ فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ففرح بذلك فرحاً عظيماً.

وأي جهد هذا الذي يبذله عندما كان يكتب، لكنه يقول: إنه راسل نحو مائة ألف شخص عبر هذه المدة الطويلة، ومن لطائف ما ذكر من القصص: أنه كان يراسل رجلاً ألمانياً، وفي هذه المراسلات ذكر له: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دعا إلى الإسلام كان أول من أسلم على يديه من الصبية والصغار: علي بن أبي طالب، ومن الرجال: أبو بكر الصديق، ومن النساء: خديجة رضي الله عنها، وعندما راسله وطالت المراسلات كان له ابن يطلع على بعض هذه المراسلات، وعندها قرر الأب أن يسلم، وأعلن إسلامه في مراسلته، فأرسل له هذا المهندس يهنئه ويرسل له شهادة بإسلامه، وحينئذ راسل الصبي مرة أخرى، وقال: إني أريد أن ترسل شهادة باسمي حتى أوقعها، فأرسل إليه: إنك صغير حتى تكبر وتتعرف على حقائق الإسلام، فأعاد إليه الرسالة: وهل طلب محمد صلى الله عليه وسلم من علي بن أبي طالب أن يستأني ويتريث حتى يكبر ثم يدخل في الإسلام؟! فأرسل إليه بما أراد.

وذكر قصة عن صيدلي وامرأة من الديانة الكاثوليكية المسيحية، فراسلهما وقتاً طويلاً، ثم طلبا منه أن يحضر إليهما، فأعطاهما سمته وشكله حتى يعرفاه، وعند محطة القطار ذهب معهما إلى البيت، فكان أول سؤال عند دخوله: هل أنت متوضئ؟ فأجاب بنعم، فقالا: ونحن متوضئان، فصلِّ بنا، وذلك في أول صلاة لهما.

وهكذا نجد أن جهداً من فرد واحد يثمر في بيئة غير المسلمين مثل هذه الثمار، ولا يقول أحد إنني أعجز عن مثل هذا، ولكنه تلمح الأجر وابتغاؤه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى فله أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة).

أفليس كل واحد يستطيع أن يصور صفحة من كتاب فيبعثها هنا أو هناك، أو أن يأخذ شريطاً لغيره من أهل العلم والدعوة فيرسله هنا أو هناك، أفلسنا نستطيع أن نكون من ذوي العطاء، ومن ذوي العلم، ومن ذوي القدرة على الحجة وإن لم يكن ذلك بأنفسنا فعن طريق هذه الوسائل الكثيرة التي يسرها الله لنا.