للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الظلم والعدوان شريعة الأمريكان]

الحمد لله المستفتح باسمه في كل أمر، المستعاذ به من كل شر، المستعان به في كل خطب، المستنصر به في كل حرب، الملتجأ إليه في كل بر، له الحمد سبحانه وتعالى هو المحمود على كل حال، لا نحصي ثناءً على نفسه هو كما أثنى على نفسه، هو أهل الحمد والثناء، وله الحمد ملء الأرض والسماء، وملء ما شاء من شيء بعد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ويرضى على آلائه التي لا تعد ولا تحصى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

وأشهد أن نبينا وقائدنا وقدوتنا وسيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، ختم به الأنبياء والمرسلين، وجعله سيد الأولين والآخرين، وبعثه إلى الناس أجمعين، وأرسله رحمةً للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ووفقنا وإياكم لاتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وجعلنا من أهل شفاعته، وصل اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! في الحرب الظالمة مسائل ورسائل، نقف مع المسائل لمزيد من الكشف والبيان والإيضاح، ونوجه الرسائل لمزيد من الوعي والإدراك والعمل والإصلاح.

وما من شك أننا على يقين أن في قضاء الله وقدره حكمةً ورحمة، وأن فيه للمؤمنين خيراً ولو بعد حين، هذه أمور لا بد منها، وربما ظن بعض الناس أن هؤلاء الحلفاء من البريطانيين والأمريكان فاجئوا الناس ببغيهم وعدوانهم وكشفوا عن شيء مخبوء لم يكن معروفاً، أو أظهروا شيئاً كأنما جاء فلتةً من غير قصد، أو كأنما جاء بسبب عارض أو بظرف خاص، ونريد أن نؤكد غير ذلك.

المسألة الأولى: الظلم والعدوان شريعة الأمريكان، ولا بد أن نعرف الحقائق على وجهها حتى لا نظنها خاصةً بوضع أو بحال أو بزمان أو بمكان بعينه، بل هي أوسع من ذلك وأشمل، وهي أدق من ذلك وأعمق، وهي أخبث من ذلك وأكثر شراً وضراً.

يقول رئيسهم عند توليه الحكم قبل أن تحدث الأحداث التي يزعمون أنها سبب لما يجري، يقول في خطاب ترشيحه: إن لأمريكا زمن القوة العسكرية التي لا منافس لها، وطريق الأمل الاقتصادي والنفوذ الثقافي، إنه السلام الذي يأتي بعد الانتصار الساحق.

هذا هو المفهوم: سيادة ثقافية وهيمنة اقتصادية، وفوق ذلك مواجهة وعدوان وظلم وبغي بالوسائل العسكرية؛ ليعم من بعد ذلك الانتصار الساحق كما يزعم من يهوى ذلك، (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:٢٠٤ - ٢٠٦].

ولئن تنزلت هذه الآيات وذكر أهل التفسير أنها في المنافقين فهي في وصف الكافرين من باب أولى وأظهر، وذلك يتجلى في هذه الكلمات التي سمعناها، وليس ذلك في فلتةٍ عابرة بل هو جوهر السياسة والتوجه، ففي وثيقة السياسة الخارجية التي اتخذها الرئيس سمةً ومنهجاً له وأقرها: أن هذه السياسة يمينيةٌ من حيث العقيدة لبعديها السياسي والديني، وتسعى لتحقيق مصلحةٍ قوميةٍ عُليا كونياً واقتصادياً وثقافياً، وتتجاوز كل تحركات أمريكا من أجل ذلك على مدى قرون سابقة، إنها الحركة التي تعكس كياناً إمبراطوريا يسعى للوجود في كل بقعة من بقاع الأرض يسعى للوجود سواء كان وجوداً مباشراً أو غير مباشر.

ومدير التخطيط للسياسة الخارجية يلخص في سطرين اثنين الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية في القرن الواحد والعشرين فيقول: هو إدماج بلدان ومنظمات أخرى في الترتيبات التي سوف تدعم عالماً يتسق مع المصالح والقيم الأمريكية، فهم لا يرون أحداً غيرهم ولا يعرفون قيمةً ولا مقاماً لثقافة أو حضارةٍ أو أمم أو شعوب غيرهم، ولسان الحال لسان فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} [غافر:٢٩] كذبوا وخابوا وخسروا! وإذا تأملنا فإننا نجد الأمر أوضح من ذلك في كثير من الجوانب التي ليس هذا مقامها.