للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقصود الولاية العظمى إقامة الشرع]

ورسالة ثانية توجه للجميع، فما المقصود من هذه المسئولية أو المهمة؟ بل ما المقصود مما هو أعظم منها وهو الولاية العظمى؟ إن مقاصد الإسلام في كل ولاية هي إقامة الدين ورعاية المصالح في الدنيا، فكل ولاية ومهمة الجزء الأساسي في غايتها هي مصالح الناس ورعاية أمور دنياهم، وإقامة الحق والشرع فيهم.

قال ابن تيمية رحمه الله: فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربةً يتقرب بها إلى الله؛ فإن التقرب إلى الله بطاعته وطاعة رسوله أفضل القربات.

ثم تكلم عن واقع مهم، وهو قول مطرد في المجتمعات، قال: إن الناس انقسموا إلى قسمين: الأول: من اتخذ الولاية لحظ نفسه فاستعملها في مصالحه وفي تحصيل المال، وضيع أمور الناس.

وقسم آخر لما رأى الولاية والسلطان اقترنا في كثير من الصور بالاستئثار بالمال والاعتداء على الحقوق وتضييع المصالح رأى أن لا يكون له في ذلك نصيب وأن ينقطع عنه وينعزل.

قال: وكلا السبيلين غير محمودٍ، بل ذكر أن هذين السبيلين هما سبيلا المغضوب عليهم والضالين من الأمم، فاليهود أخذت المال، وجعلت السلطان حظاً للمال وللفساد في الأرض، وغيرهم انقطعوا وانعزلوا أو جعلوا انقطاعهم وانعزالهم إلى الصوامع وإلى البيع وتركوا أمور الناس وشئون الحياة.

قال: وسبيل الحق بينهما، وهو أن يأخذ المسلم من هذه الولايات ما يعتبره أمانة يحملها ومسئولية يؤديها فيقوم فيها بالصلاح والإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال رحمه الله: إن جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا؛ فإن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لأجل ذلك وبه أنزل الكتب وأرسل الرسل.

وقال أيضاً: وجميع الولايات إنما مقصودها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سواء في ذلك ولاية الحرب الكبرى مثل ولاية السلطان، والصغرى مثل ولاية الشرطة، ودون ذلك مثل ولاية المال أو ولاية الدواوين المالية وولاية الحسبة، فكل ولاية هي ضرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الدين ورعاية مصالح الدنيا.

ولذلك ينبغي أن ندرك هذا المعنى فيكون للذي ينتخب نية في أنه يسهم في هذا الأمر إحقاقاً للحق وتقديماً له ورعاية للمصلحة، وأن يعرف من يرشح نفسه أنه إنما ينتدب لمهمة يتقرب فيها إلى الله، ويخلص فيها له سبحانه لا لحظ نفسه، ولا لشهرته أو جاهه أو غير ذلك.