للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اختلاف العقائد بالنسبة إلى الجارح والمجروح]

مما يؤثر في الجرح اختلاف العقائد، قال بعض العلماء: ومما ينبغي أن يتفقد عند الجرح حال العقائد واختلافها بالنسبة إلى الجارح والمجروح، فربما يخالف الجارح المجروح في الاعتقاد، وبسببها قد يظنه على زيغ كبير، والمسألة قد تكون فيها مندوحة أو مما يجوز فيه الاجتهاد، كما نعلم أن الاجتهاد موجود في نوعي المسائل العلمية والعملية، يعني في بعض مسائل الاعتقاد وفي بعض مسائل العمل، والذي يكون فيه الإجماع ويكون فيه التبين والمفاصلة -كما قال ابن تيمية - المسائل التي هي معلومة من الدين بالضرورة، ويندرج فيها بعض المسائل العلمية، وبعض المسائل العملية، والمسائل الأخرى يسوغ فيها الاجتهاد، وقد يقع فيها الاختلاف، وهي من دقائق الأمور، ويدخل فيها النوعان، فإذا كان هناك اختلاف بين الجارح والمجروح في هذا فينبغي التنبه والتيقظ، ولا يقبل جرح هذا مباشرة، ومن أمثلة ذلك قول بعضهم في الإمام البخاري إمام المحدثين: تركه أبو زرعة وأبو حاتم من أجل مسألة اللفظ، فقد نسبوا إليه هذا الأمر، وإذا كان البخاري نسب إليه أنه قال في مسألة قريبة من خلق القرآن وهي مسألة اللفظ، فيا لله وللمسلمين! أيجوز لأحد أن يقول: البخاري متروك وهو حامل لواء الصنعة، ومقدم أهل السنة والجماعة؟! ثم يا لله وللمسلمين أتجعل ممادحه مذام؟! فإن الحق في هذه المسألة معه، وهذا قد يقع في كثير من المسائل، وقد مثل له الأئمة كثيراً، ونحن نعلم أن البخاري وكثيراً من الأئمة أوردوا ووثقوا بعض أهل البدع من المعتزلة أو الشيعة أو الجهمية أو القدرية، وأخرجوا لهم أحاديث في كتبهم، وزكوهم من جانب الأخذ بالرواية، والصدق مع الصيانة والديانة، ولكن مع ذلك كانوا قد وقعوا في خطأ في العقيدة، لكن هو يظن نفسه على صواب، وهو من جانب الاحتياط في الرواية قد استوفى الشروط، فلذلك كانت رواية المبتدع لا ترد إلا إن كان داعية إلى بدعته، أو كان ما يرويه مما يشهد لبدعته؛ فحينئذ يكون مظنة الكذب أو مظنة تغيير الحقيقة عن وجهها.