للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية التعامل مع صاحب البدعة إن حكم ببدعته]

كيف يجب التعامل مع صاحب البدعة إن حكمنا ببدعته؟ كان القاسمي رحمة الله عليه يسميهم المبُدَّعِين، قال: لأنهم قد يرمون بالبدعة وليسوا أهل بدعة، فمن أول هذه الجوانب: لزوم أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، ونصحه لدلالته على الخير، وشاهد ذلك ترجمة موسى بن حزام شيخ البخاري، كان في أول أمره ينتحل الإرجاء، ثم هداه الله تعالى بـ أحمد بن حنبل، فانتحل السنة وذب عنها، وقمع من خالفه، فكانت صحبة أحمد بن حنبل موجهة له للصواب.

الأمر الثاني: أن تدعو الناس إلى السنة بحسب الإمكان، فإذا كان هذا مبتدعاً تدعوه إلى السنة، فإذا رأيت من يعمل هذا ولا يتركه إلى شر منه، فتنهاه عن هذه البدعة، وإن كنت تعلم يقيناً أنه سيقع فيما هو أعظم منه فاتركه، وقد ذكر هذا الكلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم.

الأمر الثالث: يجب أن يقر له بالإسلام، وأن ينصر على الكفار، وأن يعان على من يظلمه، وأن يفضل على من هو أكثر منه ضرراً، فإن كان هو صاحب بدعة صغيرة فهو خير من صاحب البدعة الكبيرة، وينبغي التنبه لهذه المسألة، قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] قال شيخ الإسلام: فنهى الله أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا عليهم، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع من أهل الإيمان، فهو أولى ألا يحمله ذلك على ألا يعدل فيه وإن كان ظالماً له، وهذا موضع عظيم المنفعة في الدين والدنيا إلى أن قال: والبدعة مقرونة بالفرقة كما أن السنة مقرونة بالجماعة.

والأمثلة على هذا في تراجم العلماء كثيرة جداً، ومن هذه التطبيقات تطبيق للإمام ابن تيمية رحمة الله عليه حينما لم يخض في أعراض وتجريح من كانوا سبباً في إيذائه! وتفضيل المبتدع على من هو أكثر منه ضرراً شاهده قول الله سبحانه وتعالى -وهو استنباط لطيف من الإمام ابن تيمية -: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ من يشاء} [الروم:١ - ٥] ففرح المسلمين بانتصار الروم على الفرس -وكلهم كافر- دليل على هذه المسألة، فينبغي التنبه لهذه المسائل.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا إلى طريق الحق والصواب، وأن يلزمنا الميزان العدل، وأن يجعل في قلوب كل من يتصدى للتصويب والتخطئة الإخلاص لله، والتجرد عن كل ما لا يكون مقبولاً في مثل هذا الأمر من نوع مخالفة أو هوى مما ذكرناه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيما ذكرنا نفعاً وفائدة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وجزاكم الله خير الجزاء.