للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية التعامل مع الكفار والمبتدعة في المعاملات الدنيوية]

السؤال

أضطر في بعض الأوقات أن أتعامل في عملي مع من هم مخالفون لي في عقيدتي أو من أهل الكتاب من النصارى، فكيف أعاملهم؟

الجواب

على ما ذكرناه عن ابن تيمية في استنباطه من قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:٨] فلا بد من إعطاء الحق الذي للإنسان، وإعطائه الأمر الذي له دون أن يكون نوع الخلاف داعياً إلى الظلم والاعتساف، وهذا أمر مقرر، فمثلاً أهل الكتاب لهم ذمتهم في دولة الإسلام، ولهم أحكامهم، وأيضاً لهم نوع من المعاملة كما قال الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة:٢٩]، وفي بعض الأحاديث: (اضطروهم إلى أضيق الطرق) أي: حتى لا يكون مظهراً لعزة، ولا متعالياً في مجتمع المسلمين، حتى قال بعض الفقهاء في الجزية حينما تؤخذ: ينبغي أن تكون يد المسلم من أعلى عندما يأخذ الجزية من الذمي، وتكون يد الكتابي أدنى، حتى يتحقق قوله تعالى: (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) فمثل هذا من أحكام الإسلام، لكن لا نتجاوزه إلى غير ذلك، فقد ثبت إحسان الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليهود الذين عاصروه في المدينة، بل ثبت في الصحيح في قصة الغلام اليهودي الذي حضرته الوفاة، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: (أسلم وقل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأبوه عند رأسه فقال له: أطع أبا القاسم) فشهد شهادة الحق فتوفاه الله على الإسلام.

وكذلك قصة عمر رضي الله عنه مع اليهودي حينما رآه وهو كبير في السن يطلب الناس فقال: أخذنا منه جزيته في شبابه، وما أنصفناه في شيبته، فأمر له بعطاء من بيت المال.

ومعلوم في شرع الله سبحانه وتعالى أن من مصارف الزكاة المؤلفة قلوبهم، ومن أصنافهم قوم غير مسلمين يرجى تألف قلوبهم وتحبيبهم في الإسلام، وتعرفون قصة صفوان بن أمية رضي الله عنه حينما أعطاه النبي عليه الصلاة والسلام من غنائم حنين فقال: (كان رسول صلى الله عليه وسلم أبغض الناس إلي، فما زال يعطيني ويعطيني حتى صار أحب الناس إلي).

فينبغي التنبه لهذا، ولا يكون الإنسان فقط مندفعاً بحكم الغيرة أو بحكم الدفاع عن الدين فيتجاوز حدود ما حده له الدين، وعلى هذا فقس: فكل من خالفك في أمر اعتقادي، فإنه ربما يكون معذوراً عند الله سبحانه وتعالى، وأنت لا تعلم نيته، وربما يكون قد استفرغ جهده، فعليك بنصحه وإرشاده، وعليك بإثبات الإسلام له إن لم يكن قد ذكر أو قال القول الذي يكفر به كفراً صريحاً عندك من الله فيه برهان، وعليك أيضاً بتفضيله وتقريبه على من هو أشد منه ضرراً، وعليك أيضاً ألا تؤدي معاملتك له إلى بدعة أعظم، كما قال الإمام ابن تيمية: ترك الصلاة خلف المبتدع إذا كان فيه مصلحة لأن يتغير حاله أو أن الناس سيغيرونه أو كذا فالأولى هجره، قال: وإلا فهجره ورد بدعته بالهجر يكون فيه نوع ابتداع؛ لأنه ما أدى الفائدة التي يريد بها التقويم والإصلاح.

كذلك ألا يؤدي هذا التعامل إلى ما هو أعظم من بدعته، وأكثر شراً، وهذه مسائل دقيقة إذا استطاع الإنسان أن يحسن فيها فهو توفيق من الله عظيم، وينبغي أن يراعي إصابة الحق وأن يراقب الله سبحانه وتعالى ما استطاع في مثل هذه الأمور، والعلماء قد غضوا في مسائل الاختلاف في العقائد عن بعض المسائل الكبيرة، قال القاسمي: وقد روى البخاري عن رءوس من المعتزلة والشيعة والقدرية والمرجئة لأنه وثقهم، ولم يكونوا دعاة بدعة، ولم يكونوا يستحلون الكذب، وكان عندهم صيانة وورع، وربما كان لهم في هذا ما يعذرون به عند الله سبحانه وتعالى إن قصدوا الحق، فينبغي التنبه لهذا فإنه أمر عظيم، والله أعلم.