للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معرفة الخلل وطريق العمل]

ثانياً: معرفة الخلل، وطريق العمل: لا ينبغي أن نخادع أنفسنا، ما الذي آل بنا إلى هذا الأمر؟ ما الذي جعل عجزنا واضحاً فاضحاً؟ ما الذي جعل ذلنا ظاهراً بيناً؟ ما الذي جعل خلافنا مؤسفاً محزناً؟ ما الذي حل بنا؟ نعم! ذلك كيد من أعدائنا، وهل يتصور من الأعداء إلا ذلك؟ لكننا نريد أن نكاشف أنفسنا أن نضع النقاط على الحروف أن نقرأ آيات القرآن الكريم: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١].

انتبه إلى هذه المعاني! ولقد جاءت صريحة واضحة، ليس فيها مداراة ولا مجاملة، خوطب بها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وصفوة البشر من أصحابه رضوان الله عليهم في حادثة واحدة، في معصية ومخالفة واحدة، في يوم أحد جاء الخطاب الرباني: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} [آل عمران:١٦٥]؟! كيف وقع هذا؟! كيف حل بنا هذا؟! كيف وبيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! كيف ونحن ننصر دين الله؟! لقد كان ذلك والرسول معهم والصحب هم الصفوة المختارة، فهل تجاوزتهم سنة الله؟ وهل لم يمض عليهم قدر الله؟ {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:١٦٥] كلام واضح، ومحاورة صريحة نفتقدها، ونداري أنفسنا، ونغالطها، ونرمي بالتبعة على الحكام، أو نلبسها على العلماء، أو ندفع بها نحو الأعداء، وكأننا من كل ذلك برآء، وكأننا مطهرون ليس فينا نقص ولا عيب، وكأننا لسنا سبباً من أسباب هذا البلاء، وكأننا لسنا طريقاً من طرق تسلط الأعداء! ولقد تنزلت الآيات في يوم أحد والجراح ما زالت نازفة، والحزن ما زال في القلوب يعصرها، وفي النفوس يفريها ويؤلمها، ومع ذلك جاء الوضوح القرآني والمنهج الرباني، فهل نحن قادرون على أن نقول: نحن أصحاب الأخطاء، ونحن جزء من البلاء، ونحن الذين ركنا في بلادنا وديارنا وأوضاعنا وأحوالنا إلى الأعداء؟! هل نقولها؟ ينبغي أن نقولها، وينبغي ألا نلتفت يمنة ويسرة، أن ننظر إلى ذوات أنفسنا، أن ننظر في المرآة إلى أحوالنا، أن نكشف خللنا، فإذا عرفنا مصدر الخلل يمكن أن نعرف مصدر الإصلاح والعمل، وذلك أمره بين.

إذا شكا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أمر يسير ومخالفة واحدة، فكيف نحن نسأل اليوم: لم يجري ذلك؟! ولم يحل بنا ذلك؟! ألسنا نرى معاصي تبلغ إلى درجة الكفر بنبذ دين الله، والاستهزاء بكتاب الله، والتعدي على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم تقع في ديار المسلمين وبلسان عربي مبين؟ ألسنا نرى فسقاً وفجوراً مما تعلمون؟! وهذه مرة أخرى في وصف أحد: {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آل عمران:١٥٢] أي: تقتلونهم قتلاً قوياً سريعاً، وذلك في أول المعركة، {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:١٥٢].

لـ ابن القيم كلمات كثيرة، انتخبت منها واحدة يقول فيها: من آثار المعاصي والذنوب، قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء، وطول الهم والغم، وظنك العيش، وكسف البال.

كل ذلك يتولد عن المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء.

لم لا نبحث في ذلك كما كان يعرفه ويتشربه سلفنا الصالح؟ روى ابن مسعود -يروى عنه موقوفاً ومرفوعاً-: (إن العبد ليحرم العلم بالذنب يصيبه).

كانوا يرون أن خفاء المسألة أو نسيان النص إنما هو بسبب الذنب.

ومن مقالات السلف: كان أحدنا يجد أثر الذنب في خلق زوجه ودابته.

إذا رأى من زوجته خلقاً سيئاً اتهم نفسه أنه قد قصر أو أساء، فابتلاه الله بذلك، ففي أدق الدقائق وأبسط الأمور كانوا يعرفون ويوقنون أنها من الأسباب، فيبدءون أولاً بعلاج أنفسهم.

لله در أبي هريرة رضي الله عنه حيث يقول لنا: ما بالك تبصر القذاة في عين أخيك ولا تبصر الجذع في عين نفسك!.

نحن بصيرون بالبحث والتنقيب والاستخراج لعيوب الناس، ونحن أعمى الناس عن عيوبنا، وأغفل الناس عن تقصيرنا، إن كنا نريد في هذه المحن والفتن أن نخرج منها بخير فليكن معرفة تقصيرنا وتفريطنا أول ما نبدأ به، ونحن نعلم أن طريق العمل كما قال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].

نسأل الله عز وجل أن يقوي قلوبنا، وأن يعز نفوسنا، وأن يربطنا به، وألا يجعل لنا إلى سواه حاجة.

أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.