للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بر أبي هريرة بأمه]

ولعلنا نقف مع هذه القصة لـ أبي هريرة لنرى صورة حية من المشاعر الفطرية التي تبين لنا عظمة وسماحة ديننا، وأنه يريد الخير لعموم الناس فكيف بخصوصهم؟ ألسنا نريد للكافر أن يؤمن؟ ألسنا نريد للضال أن يهتدي؟ ألسنا نريد للمنحرف أن يستقيم؟ إن لم نكن نريد ذلك فنحن في خطأ وعلى انحراف، فإن أردناه فليكن لأقرب المقربين إلينا وأحب الناس إلينا وأعظمهم فضلاً علينا وهم الوالدان، فهذا أبو هريرة يخبر ويقول: (كانت أمي مشركة، فكنت أدعوها إلى الإسلام فلا تستجيب.

قال: فدعوتها يوماً فنالت من رسول الله صلى الله عليه وسلم -أي: تكلمت عليه بما لا يليق- قال: فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! إن أم أبي هريرة قد نالت منك، وإني أدعوها).

فماذا طلب أبو هريرة من الرسول بعد أن سمع الذي أغاظه في حبيبه ورسوله عليه الصلاة السلام؟ قال: يا رسول الله! فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم! اهد أم أبي هريرة) يقول: فرجعت مسرعاً مستبشراً بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بالباب مجافىً -يعني: مفتوحاً قليلاً- فأردت أن أدخل، فقالت: مكانك يا أبا هريرة.

قال: وسمعت خضخضة الماء، فاغتسلت ولبست درعها، ثم خرجت وقالت: يا أبا هريرة! إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي من الفرح -وكانوا يحبون الخير- قال: فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم! حبب أبا هريرة وأم أبي هريرة للمؤمنين)، قال أبو هريرة: فما رأيت أحداً من أهل الإيمان إلا وهو يحبني.

إنها صورة لعظمة هذا الدين، وعظمة التربية الإيمانية، فانظر كيف كان حرص أبي هريرة! فقد كان يكرر الدعوة، وانظر كيف كظم غيظه عندما نالت من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم! لأنه كان يرجو لها الخير، ويؤمل لها الهداية، وإنما حزن وغضب وبكى، ولكنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بالهداية، فلما هداها الله لم يطق من فرحته إلا أن بكى فرحاً بعد أن بكى حزناً، ثم جاءت هذه الصورة المشرقة لندرك في الحقيقة كيف كان فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام، قال تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:١٥] عجباً لهذا السلوك! وعجباً لهذا الدين العظيم الذي يعلمنا ذلك!