للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[واقع الناس في بر الوالدين]

روي في كتب الأدب عن الأصمعي أنه قال: عزمت أن أبحث عن أعق الناس وأبرهم.

فظل يبحث ويسير في حياته وهو يبحث عن هذا الأمر، قال: حتى رأيت مرة شاباً ومعه شيخ كبير مربوط بحبل ينزع دلو ماء، وهذا يشتد عليه ويغلظ له، ويعرض له بالضرب أحياناً، قال: فقلت له: ويحك! ألا تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟! فقال: ثم هو مع ذلك أبي! قال الأصمعي: فرأيت أنه أعق الناس.

قال: ثم نظرت -أي: في حياته مرة أخرى- فرأيت شاباً يحمل شيخاً في زنبيل كبير، ثم يزق له كما يزق الطير لفرخه -يعني: كل لحظة يأتي فيطعمه، ويأتي فيسقيه، ويأتي فيحمله- فقال: هذا أبي.

قال: فقلت: هذا أبر الناس.

فلاحظ الصور المتباينة، لاحظ الواقع الذي بلغ أن سمعنا في مجتمعاتنا ليس عن أبناء رموا بآبائهم أو بأمهاتهم في دور العجزة أو في المستشفيات وتركوهم، بل رأينا ما وصل فيه الأمر إلى حد القتل وغيره، فما الذي جرى؟! وهل هذه الوصايا لا تتلى؟! ألم نختم القرآن في رمضان؟! ألا تقرأ هذه الآيات في الصلوات؟! ألا يعرف الناس هذه الأحاديث؟! ألم يروا كيف كانت سيرة الأصحاب؟! ألا يجدون في كل شيء من ديننا ما يدل على عظمة هذا الأمر ورفعة هذه الصفة وأهمية هذه الخلة في حياة المسلم، وأن ضدها من العقوق هو أشنع شيء وأبشعه؟! إن الصورة تحتاج إلى مراجعة.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يبرون آباءهم ويبرهم أبناؤهم، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لكل ما يرضي آباءنا وأمهاتنا، وأن يسخرنا لرضاهما، وأن يجعل طريقنا إلى رضاء الله من رضاهما، ونسأله سبحانه وتعالى أن يحسن ختام من بقي لهم من آباؤهم وأمهاتهم، ونسأله عز وجل أن يبعدنا ويجنبنا عن كل ما يسخطهما أو يسيء إليهما؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.